عبدالجبار محسن : مرثية بغداد
29/09/2009
--------------------------------------------------------------------------------
صاعداً اليك....
جوادي متعب....
وسيفي من خشب....
ورايتي ممزقة....
وان جراح المسيح بعض جراحي....
صاعداً اليك...
وسنين العمر تتساقط كأوراق الخريف....
أين تلك العيون التي ( ينام فيها ليل البوادي) ( ن،ز).
أين مشط امي والمكحلة...
لقد قالوا انها مع الشمس قد ذهبت ومع الشمس سوف تعود...
وما زالت الشمس تأتي ثم تذهب لتنام في سريرها عند التل البعيد...
..لكن امي لم تعد لن تعود...
اين عباءة أبي، واين كيس التبغ والنرجيلة؟
أين ذيّاك الحنان الذي كانت تسكبه عيناه الرحيمتان؟.
اين هم أصدقاء الصبا...؟
هل تناثرت أجسادهم قطعاً محترقة؟.
تعالوا.. ايها الاصدقاء...
فلقد لبست الاشجار فساتين من الندى والطل..
ولقد نوُّر الرمان..
وها هو التمر ينادي للقطاف..
دعونا نملأ اكياسنا الصغيرة من الثمار البكر...
بعضها بلون الزمرد ... بعضها بلون الياقوت...
تعالوا يا اصدقائي..
لقد حل الخريف...
وبوسعنا ان نسمع مرة اخرى، نقر المطر فوق السقوف العارية..
دعونا نصغي لنشيج المزاريب...
انها سيمفونية تعزفها أوتار الغمام...
إن للمطر موسيقاه التي هي مزيج من حزن رحيم وفرح ناعم كالحرير
.......
تذكروا أصدقاي: أننا عندما كنا صغاراً، ولا ندري أننا صغار، كانوا
يقولون لنا ( إن الرعد هو صوت سياط الملائكة وهي تجلد ظهور
الشياطين.. لكن الشياطين هذه الأيام هي التي تجلد ظهور الملائكة...)
دعوني أصدقائي أروي لكم قصة جد قصيرة....
كانت لنا بنت عم يحرص الناس عليها حرصهم على اول الثمر...
ويدللونها وكانها واحة في صحراء حياتهم... وتدعوا لها عجائز الحي
بالزوج الصالح...
تعالي يا ابنة عمي فإنك تلوحين كحمامة البيت.. وان حبيبك يبدو كمهر
عربي اصيل...
تعالي لأضع كفك الدافئة في كف من تحبين..
فأنا أعرف، يا ابنة عمي، ماذا يفعل الحب..
إن الحب قوي كالموت..
هل تعلمون ما الذي حدث يا أصدقائي؟
لقد جاءوا بسكاكينهم والبنادق لاغتيال المهر العربي
وعندما لم يجدوه فقد أحرقوا داره.. كجزء من النضال ضد ( الامبريالية
الصليبية، الصهيونية).
لا ماء في بغداد لإطفاء اللهب..
لقد شح الماء في بغداد ولهذا يستعيض الناس عنه بشرب الدماء...
( الدماء، الدماء، ------ بالمجرمين الابرياء ... )
والدماء تسيل من الرقاب المذبوحة..
الرقاب يجب ان تنحر على ( الطريقة الاسلامية) أي ان تمر السكين تحت
الحنجرة
وبعكسه فان الرب لن يبارك الجزار...
حسن يا ابنة عمي..
بوسعك التنزه مع عريسك بين الجثث المرمية على الارصفة وفي
الطرقات.. جثث بلا رؤوس ترمى في المزابل...
اذهبي يا ابنة عمي مع حبيبك فانكما لن تخافا بعد اليوم..
صار الموت عادة..
صار القتل لعبة..
صار الزواج شهادة...
اسرعي يا ابنة عمي لتضعي يدك، بيد من تحبين..
سيقول لك شيخ الاسلام الجليل..
هل توافقين على الزواج من هذا الرجل؟
وتقولين : نعم يا سيدي
وهل تعاهدينه على الموت بحزام ناسف ؟
ولسوف تجيبين :
نعم سأفعل..
وأنت ايها الفتى : هل ترضى بهذه المرأة زوجة لك
نعم يا سيدي قد رضيت
وهل تعاهدها على الموت بسيارة مفخخة.. ؟
نعم يا سيدي أعد..
وسيعلن الشيطان أنكما زوج وزوجة والعصر الأمريكي هو الشاهد
يا بنات بغداد، يا بنات بغداد :
هل رأيتن عروسين وهما مريضان بالحب..
نعم لقد رأيناهما، إنهما يقضيان شهر العسل، في مجمدة الجثث في الطب
العدلي..
صاعداً اليك يا مدينتي الحبيبة بغداد..
ها انا ذا اغسل وجهي بدموعي
طعامي السم..
وشرابي المر..
وسريري الاشواك...
فأين اليد التي تزيح عني آلام السنين الخوالي، وهذي السنين، والسنين
الآتيات؟
أين؟
جبار
عمان 17/9/2009
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الخميس يوليو 29, 2010 11:38 am من طرف AL7LWA
موضوع: عبدالجبار محسن : مرثية بغداد 
