الحب: هو ذلك الرباط السحري الذي تتماسك به الأكوان... إنه روضة الحياة وأريجها الفوَّاح، وعطرها الذي تنتشي منه الأرواح، والحب كلمة واسعة المدلول.. ولكني أعني بها الحب بين الفتاة والفتى، بين الرجل والمرأة...
والحب المثالي بين الرجل والمرأة (الراشدَيْن) عند العرب كان هو ذلك الحب المنزه عن احتياجات الجسد والمتسامي على دوافع الغريزة، فالمرء يُولد على الفطرة.. ثم تهديه تعاليم الدين والأخلاق والأعراف والتقاليد الاجتماعية.
ويقول محمد قطب: ... عواطف الحب والإعجاب ليست حراماً في نظر الإسلام، وما يصاحبها من أعمال وأفكار وسلوك، إذا كانت تهدف إلى تحقيق هدف الحياة وارتباط نصفي الإنسانية في علاقة نظيفة مثمرة، فهي الحب الإيماني لشركاء العقيدة والمجتمع.
وللحب أسماء كثيرة، منها[
* الصِّبا: من الشوق: يقال تصَابا وصبا وأصل الكلمة في الميل والصبا في الصِّحَاح: رقة الشوق وحرارته.
* الشغَف: يقال شغفه الحب أي أحرق قلبه.
* الوجد: فهو الحب الذي يتبعه الحزن.
* التـيم: هو التعبد ولا يصلح إلا لله: قال في الصحاح تَيْم الله: أي عبد الله، وأصله من قولهم: تيمه الحب أي عبده وذللـه.
* العشق: هو من فرط الحب، وسمِّي العشق الذي يكون من الإنسان بسبب التصاقه بالقلب، وقال ابن الأعرابي: العَشَقةُ اللبلابة تخضَرّ وتصغر وتعلق بالذي يليها من الأشجار فاشتق من ذلك العاشق.
وقال قيس بن المُلَوَّح في وصف العشق:
العشق أعظـــــم ما بالمجانيــــنِ
قالــــت جُنِنت بمن تهوى فقلت لهـــا
وإنما يُصــــرع المجنونُ في الحيــنِ
العشـــــق لا يستفيق الدهرَ صاحبُه
وقيل: العشق أوله عناء، وأوسطه سقم، وآخره قتل.
المراهقون والحب
ومرحلة المراهقة التي يمر بها كل فتى وفتاة في مرحلة التهاب المشاعر وثورة العواطف... فترة الأحلام الوردية، والخيال المجنح، والنظرة الحالمة، وما إن تتفتح عيون الشباب وأسماعهم في هذه المرحلة على أغاني ومسلسلات وقصص الحب... حتى يظل الفتى شارد الفكر، مسلوب القلب، يريد أن يجرب... ويبدأ في تسجيل الأغاني وحفظها. ويشتري كتباً رخيصة، ومن هنا تبدأ حكايات الحب وتظهر أعراضها على المتيم من سهر، وأرق، وأحلام يقظة، وانصراف عن الاستذكار والتحصيل. وتبدأ الكلمات واللقاءات؛ ومن هنا قد يبدأ الانحراف، ولا يجني الفتى أو الفتاة من ورائه إلا تشتيت الذهن، وتبديد الطاقة والسهر والدموع والانصراف عن الدراسة وتحطيم المستقبل على صخرة العاطفة، إذا انقاد الفتى أو الفتاة لهذه العاطفة بدون وعي أو تفكير. ولقد أعجبني هذا الشاب الشاعر القوي العزيمة الذي لم يجعل لهذه الأفكار سلطاناً على قلبه وعقله، فتشغله عن الوصول إلى قمة المجد فيقول:
سلامٌ على مـــن تيمتني بظُرْفِهـــا
ولمعــة خديها ولمحــة طَرْفهــــا
سَـبَتنْي وأحْبَتْنِي فتــاة مليحــــة
تحيــرت الأوهــــام في كنه وصفها
فقلــت ذريني واعذرينـــي فإننـي
شُغفتُ بتحصيـــل العلـــوم وكشفها
وللعشق أنواع
]يقسم ابن القيم الجوزية - رحمه الله - العشق ثلاثة أقسام، فيقول: وعشق قربة وطاعة؛ وهو عشق الرجل لامرأته... وهو عشق نافع وأدعى إلى المقاصد التي شرع الله لها النكاح، وأكف للبصر، والقلب عن التطلع إلى غير أهله.
- وعشق هو مقتٌ عند الله وبعد عن رحمته... وهو أضر شيء على العبد في دينه ودنياه وهو عشق المُرْدان (الذكور) فما ابتلى به إلا من سقط من عين الله، وطرده عن باب رحمته، وأبعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحجب القاطعة عند الله، وكما يقول بعض السلف: "إذا سقط العبد من عين الله ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة التي جلبت على قوم لوط ما جلبت. وقال تعالى: "لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِيْ سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُوْنَ" سورة الحجر:72، ودواء هذا الداء الاستغاثة بمقلب القلوب، وصدق الملجأ إليه، والاشتغال بذكره، والتعوض بحبه وقربه، والتفكير بالألم الذي يعقبه هذا العشق، واللذة التي تفوت به وحصول أعظم مكروه له.
- والقسم الثالث من العشق: العشق المباح الذي لا يُملك كعشق من صدرت له امرأة جميلة أو رآها فأورثه ذلك عشقاً لها، ولم يحدث في ذلك العشق معصية، فهذا لا يملك ولا يُعاقب عليه، والأنفع له مدافعته والاشتغال بما هو أنفع له منه، والواجب على هذا أن يصبر ويعف ويطلب الرضا من الله سبحانه؛ فيحقق اللذة العقلية الروحانية، وهي كَلَذَّة المعرفة والاتصاف بصفات الكمال والجود والعفة، إنها لذة النفس الفاضلة الشريفة، فبهذه اللذة يحقق الإنسان إنسانيته، وليس باللذة الجسمانية التي يحققها بالجماع ومراضاة الجسد، وهذه اللذة ليست كمالاً؛ لأنه الإنسان أكمل المخلوقات، ولو أنها من الكمال لانفرد بها الإنسان، ولكنها لذة دنيوية يهذبها الإنسان ويُشَذِّبها؛ لتحقيق ما أمره الله منها، وليس لنشر الفاحشة والرذيلة.