طلبة العراق يقضون ايام عطلتهم في العمل الشاق لجمع مصاريف الدراسة للسنه المقبلة ويتسكعون بعدها في المقاهي الشعبية المليئة بالزبائن ودخان النركيلة في درجات حرارة تصل الى 48 درجة مئوية فيما يقضي اغلبهم بعد هذه الساعات في تناول الايس كريم وقضاء ساعات على النت .
أحمد طالب في الصف الرابع إعدادي أنهى امتحاناته وتسلم نتيجته فرحا بنجاحه بتفوق، يجتمع كل مساء وقبل آذان المغرب مع أصدقائه وجيرانه، يتناولون الآيس كريم متمازحين فيما بينهم عن مصدر هذا الآيس كريم لرخصه.
يجمعهم شغف المعلوماتية والنت لكن الساعات الطوال والشبه مستمرة لانقطاع الكهرباء، وعدم إمكانية تشغيل حواسيبهم على كهرباء المولد (السحب والمولدة المنزلية)، خوفا عليها من العطل، فأغلب حديثهم عن مراحل لعبة ما والمواقع التي تحوي شفرات اللعبات ومفاتيح حل ألغازها.
أحمد دائما يردد على مسامع أصدقائه: (لو يعطونا الكهرباء ثلاث ساعات بثلاث ساعات قطع سنستطيع تطوير قابليتنا في مجال الكومبيوتر والانترنت، وربما استطعنا أن نكون محترفين ونخدم بلدنا ونلحق بركب الدول المتطورة والتي ليست ببعيدة عنا)، وتابعوا تناولهم للآيس كريم والعرق يتصبب من جباههم، وبدأ الظلام يحل ومولدة الشارع تنذر بعدم التشغيل لهذه الليلة بسبب عدم وجود الكاز وبات التشاؤم على وجوه أحمد وأصدقائه لأنهم سوف يقضون الليل يتأملون النجوم ويحلمون بالثلاث ساعات.
الريال والبرشه
شغف الشباب من كل المستويات العمرية بسحر المستطيل الأخضر واللاعبين المحترفين وهم يصنعون المعجزات بـ(طابتهم) الملونة ويسلبون لب عقول الشباب وساعات فراغهم الطويلة.... كازينو الأصدقاء تسمع منها الصخب وشجار الأطفال والصبية والشباب.
ذهبت الى الصيدلية لأشتري دواء السكر لوالدتي التي تعاني من سكر مزمن، فسمعت هتافات الشباب والصبية من الكازينو والتي تجاور الصيدلية، فشكي لي صاحب الصيدلية من هذه الهتافات وقال هذه الحال كل يوم، فسألته هل هذه مباريات لمنتخبنا الوطني هل هناك بطولة ما (إني أجهل أي شيء عن الرياضة) فأجابني مبتسما إن هذه الهتافات التي تسمعها هي تشجيع لبعض الأندية الغربية والأجنبية فأغلب الشباب يتجمعون في هذه الكازينو، التي اشترى صاحبها جهاز ستلايت من النوع المتطور والذي يعبأ بكارتات ليفتح القنوات المشفرة، التي تنقل الدوريات الاوربية التي يتابعها أغلب الشباب المهتمين بالرياضة، وسألته عن هذه الدوريات فأجابني (الدوري الاسباني (الليكا)،الدوري الايطالي (الكالتشيو)،الدوري الانكليزي، الدوري الالماني (البوندس ليكا)، دوري أبطال أوربا (نشامبينز ليك).
واضاف: إن عمالقة الأندية الأوربية هي ريال مدريد وبرشلونة واختصار لتسميتهما (الريال والبرشة) وصراعهما المحتدم دائما وإن أغلب الشباب منقسمين في تشجيعهم لهذين الناديين وهم بحق ملوك اللعبة في القارة الأوربية.
اندهشت لهذا المستوى من الثقافة الرياضية لدى الشباب، وفرحت في نفس الوقت لكن حزنت في نفس الوقت كون هذه الثقافة هي في الأصل فراغ ولا تنفع صاحبها الا المتخصص الرياضي.
فضلا عن أن بعض الشباب أراد الاستقلال بمشاهدته للقنوات التي تنقل هذه الدوريات فعمد الى شراء الأجهزة التي تفتح هذه القنوات وشراء الكارتات التي تفتح القنوات المشفرة وتكلفة هذه الأجهزة والكارتات تثقل وتفرغ الجيوب الفارغة بالأصل وتزيد من حالة الفراغ المستمر وتكلف عوائل الشباب والصبية مبالغ طائلة... (( بس كله يهون لعيون الريال والبرشه)).
كوفي شوب... ونركيلة
انتشرت في الآونة الأخيرة محلات الكوفي شوب وهي مزيج بين المقاهي والكازينوات، حيث يقدم أنواع المشروبات والعصائر، لكن الوجبة الرئيسية والميزة المهمة لهذه المرافق السياحية هو النركيلة بأنواعها القديمة والحديثة وبنكهات مختلفة لكل انواع الفواكه من المعسلات وأنواع أنبوبة النركيلة والقامجيات أو ما يدعوها بـ(الخرشات)، إضافة إلى القهوة والشاي لكن بنسب قليلة ومرتاديها من الشباب والرجال متوسطي العمر وعندما تجلس في هذه المقاهي الحديثة ترى السمة العصرية لهذه الأماكن الترفيهية من ستلايتات وعارضات شاشات عملاقة تعرض ما يشد المشاهد ويلبي رغبات الشباب من قنوات الغناء والطرب والمسلسلات التركية (روتانا وعائلتها المحترمة.... ام بي سي وتفرعاتها).
أدخنة النركيلة تتصاعد مع قهقهات الشباب ان ما يلاحظ في هذه الاماكن هو ارتيادها من قبل الطبقة الميسورة والغنية من الشباب، بالمقابل فإن ما يقدم في هذه (الكوفيات) تكون أسعارها ضعف أسعار المشروبات التي تباع في محلات العصائر، فضلا عن توفير اجواء مريحة من نافورات واضواء خافتة ويكون ارتيادها في المساء والخدمة المتميزة الى ما بعد منتصف الليل حيث يروق الحديث في الموبايل....؟! مع الاحباب والاقرب الى القلوب... ويحلو الكلام الى موعد صياح الديك... وتوقفت شهزاد عن الكلام وانطفات نيران النركيلة.
ساحات خضراء وطاولي
من نعم الله على البلاد وبعد سقوط اللا نظام، بدء حملة الإعمار والتوسيع والتطوير والبناء، إنشاء العديد من الساحات الخضراء واليابسة والتي تحتوي على مرافق خدمية بسيطة نوعا ما، استغلها الشباب والصبية ليمارسوا فيها هواياتهم في العطلة.
في ايام الامتحانات تمتلئ بالطلبة وهم يهربون من حر بيوتهم وانقطاع المستمر للكهرباء واجتماع الطلاب والزملاء وتبادل الآراء حول المواضيع الدراسية المختلفة، بالتالي اغناء للمادة العلمية.
أما في العطلة فتكون ساحات لممارسة كرة القدم والدوريات المبسطة فيما بينهم، فيجتمع الشباب والطلبة المنهكون من لهب الصيف وحر الامتحانات في حلقات وتسمع دوي النرد (الزار) وأقراص (الطاولي) وهم ينقلوها بين زوايا منضدة (الطاولي) وهتافات (الدو شيش) و(يك هزار).
أغلب هذه الساحات تقع وسط شوارع عامة غالبا ما تكون مزدحمة بالمركبات وتقع الكثير من حوادث الدهس لدى عبور الشباب والصبية من والى هذه الساحات، وتبدأ ساعات اجتماعهم وجلوسهم في هذه الساعات من وقت العصر قبل حلول المساء حتى ساعات متأخرة من الليل مستمعين بالإنارة الخافتة لأعمدة الكهرباء وعلى ضوء القمر يحلو السمر.