الرقص أو اللطم كلاهما للترويح والتزويج في البصرة
18/08/2009
فاضل المختار ـ البصرة ـ وهن في طريقهن للمأتم قالت لصاحبتها: لا تذهبي لمأتم بيت أم تحسين بل لمأتم خديجة ،هناك يقدمون الموطا (البوضا) بالفستق وأكثر من ذلك يقدمون الفاكهة مثل الكرز والأناناس بالإضافة للقهوة والشاي.حتى الناس هناك يختلفون ! ملابسهن أجمل وأنظف الدنيا تطورت، أي نعم ! تعالي معي ..
هذا الحديث ليس غريبا،ولا من نسج الخيال الصحفي أبدا ،هي الحياة العراقية تنتج ما لم يكن متوقعا قيامه يوما ما، فقد صارت المناسبات الدينية –الاجتماعية تختلف كثيرا، بسبب تحسن الوضع الاقتصادي أولا ولضيق فسحة الحياة ثانيا بفعل تزايد العمليات الإرهابية وسطوة المليشيات المسلحة وتعاظم أمرها قبل أكثر من سنتين.ولأن الناس أدمنت اللطم والحزن والبكاء طوال الفترة التي أعقبت سقوط النظام، أي منذ سبع سنوات، فقد صار بميسورهم تقبل فداحة الألم والتحايل عليه قدر ما يستطيعون رغم مرارته،ولسان حالهم يقول ماذا بأيدينا ؟ ماذا نعمل؟ نكاد نموت !
حين اختفت الطبول وماتت الأغاني
خلال السنوات الأربع الأولى، أي قبل ( آذار –أغسطس عام 2007)،بات من المسلم به أن لا تسمع الطبول في بيت العريس، ولا تطلق الأغاني،كما اختفت الثياب الملونة ،وصار اللون الأسود سيد الحاضرين ،إذ أن فرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للأحزاب المتشددة كانت تقتص من هؤلاء وبقسوة لا تقف عند الخطف والقتل والتمثيل،حتى بات من المألوف إلقاء القنابل والرمانات اليدوية على حفلات الزواج التي تخالف شرائع هؤلاء المسلحين .
ومنذ سقوط النظام السابق في ربيع 2003، وبسبب حوادث العنف الأخيرة التي أنتجت متغيرا اجتماعيا وسياسيا ودينيا كبيرا. اتسعت دائرة التفريق بين الجنسين في المجتمع العراقي وفي مناسبات الزواج والمواليد خاصة،وصارت حفلات النساء تقام بعيدا عن مشاركة الرجال الذين اقتصرت مناسباتهم في الآونة الأخيرة على الطعام وحضور فرقة دينية تنشد تلاوات من القرآن الكريم وتذكر مآثر النبي وآل بيته( ع) بحيث لا يتعدى الحفل على اللعب بالمسابح والتصفيق بالأيدي.
ملا لا يحدث في قاعة الرجال يحدث في قاعة النساء !
ولأن النساء كن الأضعف في حلقة الحياة المعقدة ،التي كانت تضيق حلقاتها كل يوم ،صار مجتمعهن يضيق وينغلق أكثر، الأمر الذي أنتج عقدا اجتماعيا جديدا لم يألفه المجتمع العراقي – البصري المعروف بالمدنية والاختلاط والتسامح والحشمة، ولكي يقنع الرجل بخروج المرأة للحفلات هذه ، دون أن تتعرض كرامته للهدر َقبِل بوجود مجالس النساء الخاصة في مناسبات الزواج والأعياد وغيرها، وبات هينا عليه أنه حين يذهب صحبة زوجته لحفل من النوع هذا صارت زوجته تتخذ طريقها لقاعة النساء، فيما يذهب هو مطمئنا لقاعة الرجال في الفندق داخل المدينة ،أو في أحد البيوت أو بحسب التقليد المتبع لدى أصحاب الدعوة .
حتى هنا يبدو الأمر طبيعيا،لكن الذي ترويه الآنسة حلا هاشم يختلف كثيرا عن المعتاد،فهي تفضل الحفلات المختلطة على الخاصة بالنساء، لأنها وجدت بعضهن،من غير المتزوجات يفرطن في اللبس وتسريحة الشعر والماكياج والرقص الماجن والحركات غير المحتشمة بين بعضهن ،وهي تؤكد أن المرأة تكون اخطر إذا انفردت بمثيلتها،وهي أكثر وقارا بوجود الرجل، وتضيف كنت أخجل من نفسي أمام المشاهد الجنسية المثيرة أثناء الرقص فقد شاهدتهن أكثر من مرة وهن يلصقن صدورهن ببعض في عناق مقزز لا يمكن مشاهدته.ولو كنت رجلا لما سمحت لابنتي أو زوجتي أو لأختي بالذهاب إلى هناك.
نساء على سطح الدار
وتقول أم نزار(باسمة) وهي امرأة تجاوزت الخمسين: كنت مدعوة في حفل زواج في مدينة الزبير،وكان صاحب الدعوة صديق زوجي ،وهو رجل معروف بالتدين والحشمة هناك،وكذلك زوجته كانت على درجة عالية من التهذيب والالتزام .وحين ذهب زوجي لمجلس الرجال في السرادق المقام قرب البيت، صعدت السلم إلى الحفل المقام على سطح الدار والخاص بالنساء،لكني فوجئت بالنساء هناك،فقد كن يدخلن البيت بالعباءات السود والحجاب مع البوشي أو النقاب والقفازات والجوارب لكنهن ما أن يصعدن سطح الدار حيث الحفل ،حتى يقمن بخلع الكثير الذي كان عليهن،وفي غضون دقائق صرن بالبنطلون الجينز والقمصان المفتوحة الصدر عريضة الأكمام ،وحين فتحت إحداهن مسجل الصوت على أغنية راغب علامة اوعمرو ذياب كان السطح أن يسقط بنا .
اللطم يجعل الخدود وردية
أما الفنانة التشكيلية الآنسة آيات خالد فتقول : ربما تختلف حفلات الزواج والمواليد عن مراسيم العزاء في البصرة ،فقد تحولت تجمعات النسوة في الأحزان إلى نوع من مسابقات الجمال،وعروض الأزياء النسائية،وأحيانا إلى التباهي بتقديم الأطعمة والمأكولات، وفي الأماكن هذه غالبا ما تتم خطوبات ومن ثم زيجات،فصارت المرأة تصطحب أبنتها لبيت المتوفى أو لمجلس العزاء الخاص بالحسين ،وحين تقوم الملاية ( التي تقوم بالندب وتحريض النساء على البكاء عبر قصائد وأشعار حزينة وبكائية) التي غالبا ما يكون صوتها حسنا ومؤثرا،بتحفيز النساء على اللطم والبكاء تكون الفتيات الجميلات قد نثرت شعورهن وبدان باللطم العنيف على الخدود والصدور والأذرع فتصبح بيضاء وردية عندها يكن في أجمل صورة لهن ،فتشير الأم للتي تريد خطبة أبتها أن أنظري كم هي جميلة،لذا فأماكن مثل هذه خرجت عن كونها خاصة بالحزن والتعبير عنه إلى ما هو أبعد من ذلك.
تراب الجواريب للحمل والقواميس للاستخارة
ويتناقل السكان في البصرة أحاديث كثيرة عن (المشاية) الذي يمشون من محافظات الجنوب والوسط لزيارة المراقد في كربلاء والنجف ، من النساء خاصة .وذهبت بعض النساء إلى القول إن التي لم يحالفها الحظ في الزواج أو الإنجاب سيحالفها الحظ الأكيد إن هي قامت بجمع جوارب الماشيات إلى هناك أو التراب المتراكم على جواريبهن في إناء وخلطه بالماء وشربه على الريق،ويسردن روايات غريبة عجيبة أكبرها : أن امرأة لم تنجب منذ 15 سنة، مشت سيرا على الأقدام لكربلاء العام الماضي، أحست بالحمل في منتصف الطريق، وأنجبت فور وصولها عائدة لبيتها من هناك .
لكن الأغرب من ذلك تقول آيات : كنت حاضرة في مأتم خاص بالنساء،وشاهدت من تقوم بقراءة الفنجان لبعضهن وأخرى تقرأ الكف لإحداهن ،وكانت الملاية في أجمل ما تكون عليه المرأة لكنها حين انتهت من قراءتها القصة الحزينة الخاصة بالمجلس والتي غالبا ما تكون عن أهل البيت في قصة الطف المعروفة في كربلاء،جلست وتحلق النساء من حولها يطالبونها بالاستخارة بالقرآن ،وأغلب الطلبات كانت خاصة بالزواج لغير المتزوجات أو رضا الزوج بالنسبة للمتزوجات لكن الغريب العجيب أنها أخرجت من حقيبتها قاموسا (عربي – انكليزي) وراحت تقرأ وتستخير بعد أن قرأت سورة الفاتحة مرة وآية الكرسي مرة و3 مرات سورة الإخلاص.
يقول (أبو فاروق) صاحب فندق (الشرق) الكائن في العشار بالبصرة : ما لا نراه في المناسبات الحلوة كالأعياد صرنا نراه في حفلات الزواج ،عندنا أمام بوابة الفندق. هنا ترقص أخت العريس التي لم تتزوج أكثر من كل النساء ،وأمام صديقاتها من النساء تأخذ حريتها كاملة،وبحضور والدها وإخوانها أيضا كذلك تفعل النسوة اللواتي لم يتزوجن في مناسبات كهذه ،هي فرصة للفرح ،الفرح الذي انحسر كثيرا عن حياة العراقيين ،لكن حضور الأهل والأصدقاء نساء ورجال أفضل بكثير من تجمع النسوة في مكان مغلق .هذا بحسب معرفتي الطويلة.
القبس