أتى للحكم رجال يحتقرون الثقافة
أحمد عبد الحسين 24/07/2009
منذ التغيير وفوضاه، كانت الثقافة العراقية الخاسر الأكبر، أتى إلى الحكم رجال يحتقرون الثقافة والمثقفين، حتى قال قائلهم في التلفزيون أمام الملايين (أخذوا الوزارت الدسمة وتركوا لنا هذه الوزارة التافهة، وزارة الثقافة)،
وعلى كرسيّ هذه الوزارة التافهة تعاقب شرطيّ سابق يجهد نفسه حين يكتب اسمه، وإرهابيّ يحسن استخدام المسدس أكثر من القلم، ورجل مسكين لا يفرّق بين المسلسل التلفزيونيّ والمسرحية، ووكلاء طاوسيون ومدراء عامون لا يصدّقون حتى الآن أنهم كذلك.
لا أحد في مكانه الذي يستحقّ، فأحزابنا وهي كلها طائفية حتى لو زركشوها بلفظ الاسلام أو الوطنية، لم تزل تشتغل بمنطق صدام القاضي بتفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، هجم السياسطائفيون على الثقافة فأوصلوا طائفيين إلى المؤسسة فظهرت طائفيتهم جليّة منذ الأيام الأولى حين انقسمت الوزارة إلى قسمين شيعيّ وسنيّ، وهو ما لم يحدث في الوزارات الأخرى رغم انتظام الجميع في حفلة ملوك الطوائف.
مؤسسة قائمة على أسوأ ما في المجتمع العراقي من أمراض، وبدل أن تكون الثقافة وفية لنفسها فتعمل على مكافحة هذه الأوبئة من طائفية وعشائرية وطقوسية غبيّة، صارت ثقافتنا مرتعاً لكلّ هذه الأوساخ بفضل عقليّة لم تزل تنظر للمنصب بوصفه مكسباً.
هذه محنتنا، وإذا تكلمت عن مسؤول ثقافيّ وانتقدته صرت راداً على من عيّنه، ومن عيّنه هو ملك من ملوك الطوائف أو وليّ عهده المحروس، والرادّ على هذا رادّ على الإمام والرادّ على الإمام رادّ على الله، أنت في مشكلة مع الله جلّ وعلا شخصياً ما دمت في مشكلة مع هذا المسؤول المعيّن من قبل طائفته المنصورة.
ما العمل؟ إذا ما رستَ دورك النقديّ تهجم عليك الطائفة بقضها وقضيضها، وإذا صمتَّ هجم عليك ضميرك المثقل بالواجب، فلمن تنتصر، ومن تهادن؟ مشكلة المثقف الحقيقيّ انه يتصرّف بتلقائية مواطن في دولة، بينما كلّ ما في العراق يشي بأن السياسطائفيين المهيمنين يريدون إعلاء كلّ عناصر ما قبل الدولة من دين وطائفة وعشيرة وطقوس غيبية فارغة.
إنهم يخيفوننا كلّ يوم، لكنْ ثمة صوت نسمعه حتى ونحن نيام: إذا خفتَ فلا تكتبْ وإذا كتبتَ فلا تخف.