القسم الثاني : النهضويون الاواخر
مقدمة :
لقد لاحظت كمؤرخ عراقي متواضع بأن مكانة المسيحيين العراقيين في مجتمعهم كانت
ذات اعتبارات اجتماعية متميزة في نهايات العهد العثماني عندما كانت لهم
امتيازاتهم الثقافية وحقوقهم كمواطنين متمتعين بكل ذلك بناء على ما تعهدت به
الدولة امام العالم وخصوصا في خطي شريف همايون ، وعزز كل ذلك الدستور العثماني
في صدوره لأول مرة في العام 1876 خلال عهد المشروطية الاولى ، او في صدوره
الثاني في العام 1909 خلال عهد المشروطية الثانية . ولما تأسس الحكم الوطني في
العراق واعلنت الملكية ، كان المسيحيون العراقيون يحظون بحقوقهم ومشاركتهم
الدولة ، فكان منهم عدد من النواب والوزراء والمدراء وضباط الجيش والمحامين
وحتى القضاة
كان للبعض من العراقيين المسيحيين ادوار سياسية في حياة العراق المعاصر ، اذ
كان للشخصية المسيحية المعروفة داود يوسفاني دورها ايام الاتحاديين وبدايات
العهد الملكي ، وخصوصا اثناء نيابته في مجلس المبعوثان العثماني وكانت له
صولاته وجولاته من اجل فرض الامن والاستقرار . وكان نقولا عبد النور ( الذي
اعلن اسلامه واشهر اسمه بـ ثابت عبد النور ) له دوره المؤثر في الحركة العربية
والايمان بالقومية العربية . وغدا منهم نوابا مثل رؤوف اللوس واشترك بعضا منهم
في عدد من الوزارات العراقية كما وقام البعض بادوار معينة في تأسيس او الانخراط
في احزاب عراقية متنوعة الاتجاهات وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، اذ يقال بأن
يوسف سلمان ( فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي كان مسيحيا كلدانيا ( وهناك من
يقول بأنه كان مندائيا ) ومن ابرز الشيوعيين المسيحيين العراقيين : جميل توما
ونوري روفائيل وكريكور اكوب بدروسيان وثلاثتهم من خريجي الجامعة الامريكية
ببيروت وهناك يوسف الصايغ وداود الصايغ وآرا خاجا دور وكامل قزانجي وابراهيم
قسطو ( ضابط ) .. وغيرهم . وبرز طارق عزيز عضوا في القيادة العراقية لحزب البعث
العربي الاشتراكي
لعل من ابرز علماء الللغة العربية المحدثين الذين ساهموا مساهمة حقيقية في
اثراء العربية ومصطلحاتها ومرادفاتها هو العلامة اللغوي انستاس ماري الكرملي
الذ اصدر مجلته الشهيرة ( لغة العرب ) على مرحلتين اثنتين ، وكانت علامة بارزة
في تاريخ النهضة الحديثة ، بل وتعد واحدة من اهم المراجع في اللغة العربية ..
لقد اسس انستاس مدرسة لغوية اشتهرت في العراق وكان ممن تخرج من تحت مظلتها
العلامة مصطفى وجواد وعلماء لغة وادب .. وكان للعلامة انستاس منتجاته اللغوية
والتاريخية الاخرى التي تعد من اهم ما ظهر من ابداعات في العراق ، اذ لم يقتصر
الرجل على اللغة ، بل ساهم في كتابة تاريخ العراق . ولقد اشتهر بمجلسه العلمي
والاجتماعي الذي كان يقصده عدد متميز من المثقفين العراقيين بمختلف مشاربهم وان
المسلمين منهم اكثر من المسيحيين .
ثانيا : الصحافة العراقية وروادها الاوائل
اسهم المثقفون المسيحيون العراقيون المتميزون اسهاما حقيقيا في تقدم الصحافة
العراقية وتطورها بعد نشأتها الاولى في القرن التاسع عشر ، ولقد كان اغلب رواد
الصحافة العراقية من الموصل اذ اثروا هذا المجال بادبياتهم وجهودهم وكانت لهم
ميادينهم الصحفية المتنوعة وخصوصا في اواخر العهد العثماني وعلى العهد الملكي
في العراق باصدارهم صحف اساسية في الحياة السياسية العربية .. ولابد ان نذكر
تميز كل من : روفائيل مازجي وداود صليوا وعيسى محفوظ وتوفيق السمعاني وفتح الله
سرسم وسليم حسون ( صاحب جريدة العالم العربي ) ويونان عبو اليونان وروفائيل بطي
وبولينا حسون ( أول امرأة عراقية تصدر صحيفة نسوية ببغداد ) وميخائيل تيسي (
صاحب اول نقد هزلي صحفي ) وصولا الى مجيب حسون وفائق بطي ولطفي الخوري وغيرهم .
ولقد تطورت الصحافة العراقية على ايدي هؤلاء المثقفين تطورا كبيرا ، وكانوا
كلهم من اصحاب القلم ولهم باع في الادب العربي خصوصا .
ثالثا : التربية والتعليم : المعارف العراقية
اشتهر المعلمون المسيحيون بقوة معارفهم وثقل ادائهم ومصداقية زمنهم وعشقهم
لمهنتهم .. ولقد تربّت اجيال عراقية كاملة على ايدي مربين ومعلمين ومربيات
ومعلمات مسيحيين ومسيحيات .. عدوا مركز ثقل واضح في اجهزة التربية والتعليم في
العراق او عندما كانت تسمّى بـ ' المعارف العراقية ' .. ولا يمكن ان نسجل في هذ
المقال اسماء كل كوادر التعليم من اولئك المسيحيين الذين انخرطوا في المدارس
العراقية على امتداد سبعين سنة وبرزت على ايديهم اجيال من المبدعين والعراقيين
الاكفاء اللامعين .. اذكر من بين مئات المعلمين استاذنا في الفيزياء - طيب
الذكر - رمو فتوحي الذي علمنا الفيزياء وغرس فينا حب العلم وكان واحدا من ابرز
رجالات التعليم في العراق على ايام كلية بغداد الثانوية . ولا يسعني المجال ان
اذكر هنا مئات الاسماء من رجالات المعارف العراقيين الذين تكونت الاجيال
الجديدة على ايديهم ، وقد اتصفوا بالحزم والتربية العالية . ولم ازل اذكر الدور
الذي اضطلعت به رياض الاطفال المسيحية في بعض المدن العراقية تلك التي كانت
الراهبات العراقيات يشرفن عليها ، ومنها روضة ام المعونة بمنطقة الدواسة
الشهيرة في الموصل التي قضي
لمع عدد كبير من المسيحيين العراقيين في تخصصات مهمة سواء داخل العراق ام في
الخارج ، وليست لدي احصائية كاملة باسمائهم ولكن تشكل اعدادهم ثقلا واضحا في
ارجاء العالم وفي تخصصات وحقول متعددة لا تعد ولا تحصى وقد حصل العديد منهم على
جوائز دولية بحكم ما قدموه من ابداعات ونتاجات .. ولعل من اكثر المسيحيين
العراقيين استقرارا في الغرب منذ اكثر من خمسين سنة هم المختصون والعلماء ...
ولا يمكنني ايضا من ذكر اسمائهم جميعا ، ولكن لا يمكننا نسيان العلامة متي
عقراوي والمؤرخ مجيد خدوري والمؤرخة البرتين جويدة والدكتور منير بني والدكتور
ريمون شكوري والاستاذ فؤاد سفر والبروفيسور وديع جويده والدكتورة البرتين حبوش
والدكتور يوسف قصير والسيدة نهاد اللوس – خياط والدكتور افرام يوسف والدكتور
فاروق رسام والدكتور غازي رحو والدكتور أمير حراق والدكتور وليد خدوري والدكتور
بهنام ابو الصوف والدكتور يوئيل عزيز والدكتور دوني جورج والدكتور زهير يعقوب
والدكتور عصام جبرائيل والدكتورة فريال جبوري غزول والاستاذ حنا رزوقي ..
وغيرهم من الزملاء الذين اتمنى عليهم ان يعذروني ان لم اذكر اسماءهم كلهم الخ