ما يعرفه ولا يعرفه الأسد عن دور إيران في العراق
شبكة المنصور
علي الصراف
الرئيس السوري بشار الأسد يمتلك من الذكاء وسرعة البداهة ما لا يملكه الكثيرون. وهذا يعني أن طبيب العيون السابق لا يتعامى عن الحقائق من دون سبب. وهو إذا افتعل العمى، فلأنه يقصد.
ذات يوم، وبدلا من أن يوقعه صحافي كبير مثل جون سيمبسون (رئيس القسم السياسي في بي.بي.سي) في الفخ، وجد سيمبسون نفسه واقعا في الفخ الذي نصبه للرئيس.
في البدء قال سيمبسون للرئيس: انك توصف كديكتاتور. فرد عليه الأسد، بمنتهى الهدوء: لا لست ديكتاتورا. أنا أقوم بأداء واجبي في إدارة دولة.... الخ.
وبعد بضعة أسئلة مختلفة، وفي محاولة للتلميح الى أن هناك قضايا لا يتحكم بها الرئيس ومنها ما يتعلق باغتيال رفيق الحريري، سأل سيمبسون: هناك إعتقاد يقول بانك لا تمسك بالأمور جيدا؟
فرد الأسد، من دون أن يستغرق وقتا، وبهدوء أيضا: لا يمكن للمرء أن يكون ديكتاتورا، وفي الوقت نفسه، لا يُمسك بالأمور جيدا. فإما هذه أو تلك. (فبهت الذي كفر).
والحال، فلا يمكن للرئيس الأسد أن يستضيف في بلده أكثر من مليون مشرد عراقي، ويجد الدور الإيراني في العراق إيجابيا. فإما هذه أو تلك.
ما يعرفه الرئيس الأسد هو أن هؤلاء لم يأتوا الى سوريا لأغراض السياحة. وهم لا يتشردون في شوارعها بحثا عن لقمة العيش لان سوريا عرضت عليهم فنادق خمسة نجوم.
ما يعرفه الرئيس الأسد جيدا هو أن هؤلاء المشردين، وهم جزء من جيش ضحايا بلغ تعداده، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، أكثر من خمسة ملايين مهجر، كانوا ضحية أعمال عنف طائفية مارستها ضدهم المليشيات الإيرانية الحاكمة في العراق.
وتُدعى هذه الأعمال، حسب التوصيف القانوني لها، "تطهيرا" (عرقيا أو دينيا)، وتعد من بين أبرز الجرائم ضد الإنسانية.
ما يعرفه أيضا هو أن الكثير من هؤلاء المشردين فقدوا أبناء وأخوة وأزواجا لهم في أعمال القتل التي مارستها ضدهم تلك المليشيات.
والغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا هم من السنة، بما يكفي للدلالة على أن الحرب الطائفية التي يشنها حلفاء إيران في بغداد كانت تستهدف تحطيم احد أهم ركائز الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي. وذلك لحساب مشروع طائفي، أرسى أسسه بول بريمر، وتابع مهماته آية الله منافقي وآية الله انحطاطاني.
وعندما يتحدث المرء عن 5 ملايين مهجر، فلابد لطبيب العيون السابق، أن يرى حجم الخراب الذي حل بمجتمع يتألف من 24 مليون نسمة. فإذا أضيف إليهم مليون ضحية ومليون أرملة وخمسة ملايين يتيم، و8 ملايين إنسان يعيشون تحت خط الفقر، و5500 عالم وخبير تم اغتيالهم على سبيل الانتقام من الحرب مع إيران، وأكثر من 220 ألف معتقل، تعرض معظمهم لأعمال التعذيب في السجون الحكومية، فان المرء يجب أن يكون جريئا جدا (لكي لا نقول صلفا، جلفا، فجّا وفظّا) حتى لا يرى أن الدور الذي تلعبه إيران في العراق هو دور تخريبي، وجريمة ضد الإنسانية، وإحتلال آخر لا يقل بشاعة ووحشية عن الاحتلال الأميركي.
نعم. إيران ليست مسؤولة عن كل الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الأميركي. ولكن قسطها الملموس والعملي من المجموع العام لتلك الجرائم، ليس أقل على الإطلاق.
لا توجد جرأة في القلب للقول أن ما ارتكبته إيران من أعمال تخريب وقتل وانتهاكات كان أكثر وحشية، لأن قولا كهذا سينظر إليه على انه تخفيف وإقالة لما فعله الأميركيون. ولكن الحق الذي لا يجرؤ أي إنسان يملك ذرة شرف، أو ضمير، أو حياء، أن ينكره هو أن حلفاء إيران في بغداد يبنون مشروعهم الطائفي على جثث الملايين.
لقد حطم الإيرانيون وعملاؤهم مجتمعا بأسره. ونهبوا بلدا بأسره. ودمروا بنية تحتية بأسرها، من اجل أن يكسبوا نفوذهم في العراق.
بعد كل هذا، فليس من الإنصاف في شيء أن يأتي رئيس، يُقدم وكأنه العروبي الأخير، ليجد نفسه لا يمانع في أن يكون لإيران نفوذا في العراق.
على أي أساس؟
وبأي حق؟
ثم لماذا لا يكون هذا النفوذ لسوريا نفسها؟
أليس هذا البلد العربي أحق بالنفوذ من إيران في العراق؟
وفي الأصل، أليس من حق العراقيين الطبيعي، أن يكونوا هم أصحاب النفوذ الوحيدين في بلدهم؟
أأمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، يا سيدي، أم أمة عربية فارسية، لكي تشاركنا في النفوذ؟
الرئيس الأسد يعرف الأجوبة. وإذا حاول أن يتعامى على الحقيقة، فليس لأنه لا يراها، بل لأنه كان يقصد أن يغازل حلفاءه، وان يقول لهم أنه بدفاعه عن ثوره الأسود، فانه مستعد للتضحية بثوره الأبيض.
ما لا يعرفه الرئيس الأسد هو انه الزعيم العربي الأول منذ عصر المماليك، الذي يقبل نفوذا لدولة أجنبية على دولة عربية.
لم يفعلها أي زعيم عربي من قبل، بمن فيهم كل الذين دخلوا في الثقافة البعثية السورية كزعماء خونة وعملاء وجواسيس.
وهذا كثير.
كثير على الرئيس، كثرته على طبيب العيون.
وكثير علينا.
كان يمكن للمرء أن ينتظر طعنات ويتعايش مع آلامها، ولكن ليس من رئيس ظنّ المهاجرون إليه انه العروبي الأخير.