بين مجلس محافظة البصرة والنائبة مها الدوري ومنع الخمور
كتابات - احمد الحبوبي
طالبت النائبة مها الدوري من مجالس محافظة بغداد وبقية محافظات العراق، ان تحذوا حذو مجلس محافظة البصرة الذي قام بمنع شرب الخمور وبيعها في المحافظة. وأكدَتْ في موقعها الالكتروني على أن يمتد المنع على مدار السنة وأن لا يقتصر على شهر رمضان كما كان معمول به على امتداد تأريخ العراق الحديث والمعاصر.
بعد إن انتهت كل مشاكل العراق، وصرنا بألف خير، حيث اننا ننعم بالماء الوفير النظيف الصالح للشرب، والكهرباء المستقرة المستمرة، والشوارع النظيفة المبلطة، وبالاقتصاد المزدهر؛ والامن المستتب، والاتصالات والمواصلات الممتازة، بعد كل هذه المكاسب التي تحققت لنا على ايدي مجلس النواب الموقر والحكومة الرشيدة والمجالس البلدية. بعد أن انتهوا من كل ذلك وضمنوا لنا حياة دنيوية هانئة وسعيدة ومستقرة وامنة، لم يبق للسلطات الثلاث المذكورة اعلاه الا ان تنشغل بتأمين حياتنا في الاخرة بعد موتنا، أي ان تضمن لنا الدخول الى جنان الله تعالى، وذلك بابعادنا عن مواطن الزلل والخطيئة، شئنا ذلك ام ابينا.
إنني أجد انه من الضروري جدا ان نتصارح في هذا الامر؛ فعلى امتداد تاريخ الانسانية، لم يتمكن اي دين أو مُشَرِّع من اقناع او اجبار الانسان على التوقف عن احتساء الخمر والمسكرات الاخرى، فحيثما وجد منع للخمور كان العقل البشري يفلح في ايجاد بديل كفوء وفعال للالتفاف على هذا القرار، وعموما كان البديل أكثر ضررا وخطورة. ولدينا امثلة معاصرة من دول مجاورة تتعاطى مع منع الخمور بشكل جدي وصارم كالمملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الاسلامية، حيث اننا نلاحظ انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة وكل ما ممكن ان يؤدي نفس مفعول الخمر بل وما يزيد عنه. ونلاحظ استفحالا وشيوع ظاهرة تهريب المشروبات الكحولية رغم العقوبات الصارمة لمن يلقى القبض عليه من المهربين. اما المثال الاخر فهو تحريم الخمور الذي سنته الحكومة الاميركية في عشرينيات القرن الماضي، حيث لم يصمد هذا التحريم امام اصرار الانسان على احتساء الخمور، فلم تملك ( الحكومة الاميركية ) الا ان تنصاع للامر الواقع وترفع ذاك المنع.
أما بالنسبة لنا كدولة اسلامية؛ فبدءا من الدولة الاموية والى يومنا هذا، كان ولاة امرنا من خلفاء وملوك ورؤساء ووزراء، هم السباقون في خرق هذا المنع، رغم انهم كانوا يقيمون الحد على المواطن العادي الذي لاحول له ولا قوة. وطبعا نحن كلنا ثقة بان من يحكموننا الان لا يشبهون أولئك الظالمين....
أما بالنسبة للعراق، فان بيوت الله تعالى من مساجد وحسينيات وكنائس وغيرها ليست موحدة للشعب العراقي، بل على العكس من ذلك تماما؛ فالشيعي يذهب الى المسجد والحسينية الشيعية، والسني يذهب الى المسجد السني، والمسيحي الكاثوليكي يذهب الى كنيسته الكاثوليكية، والارثودوكسي يذهب كنيسته الارثودوكسية لاغير. حتى الاذان الذي يرفع من بيوت الله مختلف توقيتا ومضمونا، مما يرسخ الفرقة حتى بين ابناء الدين الواحد، وكذلك يفعل فعله اختلاف توقيتات الاعياد والمناسبات الدينية الاخرى. وقد وصل الامر بالامس القريب الى حد الاحتراب الطائفي والقتل وفقا للطائفة والاسم.
أما الحانات والخمارات فليس فيها شيئا يرفع سوى الكاس لتبادل الانخاب او لاحتساء الخمر، ولاتشي الخمرة بقومية محتسيها ولا بدينه او طائفته، فالكل متساوون بحضورها ومستسلم لسحرها. يجلس كرّار وسجّـاد وخطـّاب وقادر وسامر ونديم وميخا وكاوة وسردار دونما خوف من بعضهما البعض. تجمعهم الرغبة في قضاء وقت جميل، ثم يتسابقون فيما بينهم على دفع قائمة الحساب في بادرة اضافية لاظهار المحبة والمودة والاحترام.
إننا لم نسمع عن شخص قام بتنفيذ عملية ارهابية او انتحارية بعد ان خرج من الحانة، في حين اننا سمعنا عن الكثير من الارهابيين الذين نفذوا عمليات ارهابية وانتحارية مباشرة بعد مغادرتهم احد بيوت الله تعالى. وقد اثبتت الوقائع ان اغلب هؤلاء كانوا تحت تاثير المخدرات او حبوب الهلوسة وليس تحت تاثير الكحول.
لا أريد أن يفهم القارئ الكريم انني اسئ للاسلام او لبيوت الله تعالى جلت قدرته، انني ابعد ما اكون عن ذلك والله على ذلك شهيد. ولكنني أقول هذا هو الحال في العراق وعلينا أن نُقِـرّ به.
إنني أرجو من النائبة الدوري وبقية السلطات ان يتداعوا لتشريع يمنع رفع اسعار المشروبات الكحولية (خصوصا العرق، الشراب الشعبي الاول في العراق) عما هي عليه الان لتبقى في متناول من يبتغيها من محدودي الدخل وهم غالبية الشعب العراقي الكريم، ولكي يبقى الفارق السعري كبيرا بين الخمر والمخدرات وشبيهاتها التي تنتشر بشدة في الدول المجاورة. وانني اؤكد لهم انهم لا يرتكبون اي اثم بذلك لانهم يحصننون المواطن من اللجوء الى المسكرات الخطرة، بل ويساعدون على تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية فعليا دونما حاجة لعقد مؤتمرات المصالحة ذات النتائج الهزيلة والتي تكلف الميزانية مبالغ هائلة. بينما المصالحة الفعلية والحقيقية هي تلك التي ينفذها المواطن على حسابه الخاص....
إنّ وضعنا الأمني الهش وحدودنا المُسْتَباحة وتفشي الرشوة في كل مفاصل الدولة وسعي مافيا المخدرات الحثيث لفتح السوق العراقية أمام منتجاتها، كل ذلك يفرض علينا أن نُجـَنِبَ قواتنا الامنية حملا ثقيلا جدا فوق احماله الثقيلة الاخرى...
ارتجي وأمل من الذين سيردون على مقالتي هذه ان لا يتهمونني بأنني صفوي او ناصبي او بعثي او صدامي او علماني او زنديق او كافر او شوفيني، لان قوالب التهم الجاهزة هذه قد بارت وكسدت وما عادت تقنع حتى الجهلة والسفهاء في العراق، فكيف بالعقلاء.
ولله في خلقه شؤون.