لندن: اكد ديفيد مانينغ مستشار رئيس الوزراء السابق توني بلير بين عامَي 2001 و2003، إن بلير طلب من وزارة الدفاع تحضير خيارات بريطانيا العسكرية لمساندة الجيوش الأميركية في غزو العراق، للمرة الأولى، في يونيو (حزيران) العام 2002. وكشف مانينغ في شهادته أمس، أن بلير حذر الرئيس الأميركي جورج بوش من توسيع الحرب على أفغانستان لتشمل العراق في محادثة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2001، بعد أن كان بوش فاتح بلير للمرة الأولى بوجود رابط بين القاعدة وصدام حسين، في 14 سبتمبر (أيلول) 2001. وانتقد مانينغ بشدة طريقة إدارة الأميركيين لمرحلة ما بعد الحرب، وغياب التخطيط بشكل شبه كامل. وقال إن الجنود الأميركيين كانوا بعدُ يتصرفون بعد سقوط صدام حسين في بغداد، كأنهم قوات مقاتلة، وليست قوات حفظ السلام. وتحدث عن «صدمته» من تعاطي الجيوش الأميركية مع الوضع الأمني في بغداد، إثر زيارة قام بها إلى هناك في مايو (أيار) من عام 2003، بناء على طلب بلير. وقال مستشار بلير السابق إن بريطانيا أبلغت الولايات المتحدة أنه سيستحيل عليها المشاركة في الحرب، إذا لم يتم استصدار قرار في مجلس الأمن مسبقا. وفي الشهادات السابقة التي أدلى بها مسؤولون في الخارجية البريطانية وآخرون، كشفوا أن بريطانيا أبلغت واشنطن أنها تفضل استصدار قرار في مجلس الأمن، ولكن مانينغ كان أول من يربط المشاركة بصدور قرار دولي. وتعتبر بريطانيا أن القرار 1441 الذي أعطى صدام فرصة أخيرة للتخلي عن أسلحته، شرّع الحرب على العراق، رغم فشلها بإقناع الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن بضرورة استصدار قرار ثان يفوض الحرب بشكل واضح.وكان بلير قد اضطر أمس إلى نفي أن يكون قد ضغط على المدعي العام السابق اللورد غولدسميث لكي يتراجع عن موقفه بأن الحرب على العراق تُعتبر خرقا للقانون الدولي. وجاء نفي بلير لتلفزيون «سي إن إن» قبل بدء استجواب مستشاره أمس، وقال ردا على ما نشرته صحيفة «دايلي ميل» قبل يومين إن غولدسميث بعث رسالة سرية إلى بلير قبل 7 أشهر من غزو العراق، حذره فيها من تورط بريطانيا في الغزو لأنه يُعتبر غير قانوني. وقالت الصحيفة إن بلير تجاهل نصيحة المدعي العام، ومنعه من حضور جلسات مجلس الوزراء بعد ذلك. وأضافت أن رئيس الوزراء لم يُطلِع حكومته على الأمر، بل أطلع بعض المقربين منه، وطلب إليهم إبقاء الأمر سرا. وقالت أيضا إن بلير ومساعديه الذين أطلعهم على الأمر، ضغطوا على غولدسميث ليتراجع عن نصيحته. وسيمثل بلير وغولدسميث أمام اللجنة في العام المقبل. وفشلت اللجنة أمس في طرح العديد من الأسئلة الأساسية على مستشار بلير السابق، مثلا حول ما إذا كان بلير يعتبر أن صدور قرار دولي ثانٍ، أمر أساسي لدخول الحرب، علما أن مانينغ نفسه قال للجنة إنه كان يعتبر صدور قرار كهذا «أساسيا». إلا أنه قال في مكان آخر في الجلسة التي عُقدت بعد ظهر أمس، إن بلير استهلك «كل الطرق الدبلوماسية» قبل أن يأخذ قراره بالمشاركة بالغزو، وأنه كان واثقا «من أنه أخذ القرار المناسب». وتحدث مانينغ أيضا عن شروط وضعتها بريطانيا للمشاركة في الحرب، ومنها وضع خطط لما بعد الغزو وتفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن الإدارة الأميركية لم تعر تلك الشروط أي أهمية، ومع ذلك لم تتراجع بريطانيا عن دعمها لبوش. وردا على سؤال حول المرة الأولى التي فاتح فيها بوش بلير بإمكانية شن حرب على العراق، قال مانينغ: «المرة الأولى التي ذكر فيها بوش العراق لبلير، كان في 14 سبتمبر (أيلول) خلال محادثة هاتفية دارت بينهما، وقال له حينها إنه قد يكون هناك دلائل على وجود روابط بين القاعدة وصدام حسين، فرد بلير بالقول إن الدلائل يجب أن تكون قوية لتبرير اعتداء ضد العراق». وأضاف أن بلير حذر بوش في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، من توسيع الحرب لتشمل العراق، واعتبر أن هذا الأمر سيشتت القوات عن الحرب في أفغانستان. وقال: «كانت رؤية بلير أنه من الضروري التركيز على أفغانستان، وكان قلقا من تشتيت التركيز عن أفغانستان التي اعتبرها الهدف لا أي أمر آخر... وأتذكر أنه قال حينها إن من الضروري محاربة أسلحة الدمار الشامل ولكنه كان مصرا على أن أفغانستان هي الأولوية... كنا نعرف أن النقاش في واشنطن أوسع عن أفغانستان، وكانت هناك رسالة وجهها أعضاء من الكونغرس إلى البيت الأبيض يدعون فيها الإدارة لاتخاذ خطوات ضد أسلحة الدمار الشامل في العراق».وقال مانينغ إن وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، أكدت له في منتصب فبراير (شباط) من عام 2002، أن الإدارة الأميركية تنظر إلى خيارات مختلفة حول العراق، لكنها لم تضع أي خطة بعد، «بل تحاول إعادة تحديد بعض سياساتها». وتحدث عن زيارة قام بها لواشنطن في مارس (آذار) من العام نفسه، للتحضير لزيارة بلير للقاء بوش في مزرعته في تكساس الشهر التالي. وقال: «في هذه المرحلة كنا واعين جدا أن العراق سيكون على الأجندة، وذهبت لأتحدث مع رايس لاكتشاف ما يريد الأميركيون وضعه على الأجندة، وأين أصبحوا في مراجعة سياسة العراق، ولكن أيضا للحديث عن رأي بلير حول العراق وأولوياته للقاء». وأضاف: «قلت لرايس حينها إنه إذا كانت واشنطن تفكر في إعادة رسم سياستها تجاه العراق، وإذا أرادت مشاركة حلفائها، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار مخاوفهم... قلت إن عليهم التفكير في عدد من الأمور: أولها ما الدور الذي يرونه للمفتشين الدوليين، وما الذي سيفعلونه لتفسير الخطر الذي يمثله صدام إذا فشلت الطرق الدبلوماسية (بإقناعهم بالتخلي عن أسلحته)، وتحدث عن ضرورة أن تكون لديهم نظرة لمرحلة ما بعد الغزو، كما شددت على أهمية أن تكون قضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أساسية».وعن اللقاء بين بلير وبوش في أبريل (نيسان) 2002، وهو اللقاء الذي قالت الصحافة إنه شهد اتفاق الزعيمين على خوض الحرب لتغيير النظام بغض النظر عن امتلاك صدام لأسلحة دمار شامل، نفى مانينغ أن يكون بلير وبوش قد وضعا خططا للحرب حينها، إلا أنه أكد أن بوش أعلن حينها أنه شكل وحدة عسكرية خاصة لرسم خطط للحرب. وروى بعض التفاصيل، وقال: «دعا الرئيس دعا رئيس الوزراء إلى مزرعته لكي تكون النقاشات بشكل غير رسمي، وبقي بلير في المنزل الرئيسي... نوقش الكثير من القضايا إلى جانب العراق، وفي الليلة الأولى تناولا طعام العشاء بمفردهما، ولكن في صباح اليوم التالي كان هناك لقاء رسمي أكثر في مكتب رئيس». وأضاف: «شارك في اللقاء بوش ورئيس موظفيه ورايس، ومن جهتنا بلير ورئيس موظفيه وأنا. وبعد الإفطار لخص بلير النقاش الذي دار بينهما الليلة السابقة. قالا إنهما ناقشا العراق، ولم يضعا خططا للحرب، ولكن قال بوش إنه شكل قيادة عسكرية في فلوريدا لوضع خطة ورسم بعض الخيارات، وقال إنه سيدرس الخيارات بعد ذلك. واتفقا أنهما سيعودان إلى الأمم المتحدة لإعطاء فرصة لصدام لكي يتعاون».وأضاف مانينغ أن بلير استخلص من اللقاء أن بوش ربما أراد أن يبني تحالف دوليا، وأنه مستعد للجوء إلى الأمم المتحدة قبل اتخاذ قرار شن الحرب. ولكنه أضاف أنه بعد أسابيع على ذلك اللقاء، كان واضحا أن الأميركيين تتطور رؤيتهم، وقد يكونون توصلوا إلى قرار في يونيو (حزيران) 2002. وقال مستشار بلير إنه عقد لقاء في نهاية الشهر مع رايس، وجدد طلبات بريطانيا أنه في حال توصلت واشنطن إلى قرار قلب النظام في العراق، عليها أن تقدم ضمانات حول مرحلة ما بعد الغزو وقضية السلام في الشرق الأوسط. وأضاف أنه حمل رسالة أيضا من بلير إلى بوش يوضح فيها بلير شرط مشاركة بريطانيا الأساسي، وهو المرور عبر الأمم المتحدة. وفي 7 سبتمبر (أيلول)، التقى بلير بوش مرة ثانية في كامب ديفيد، وقال مانينغ إنه فوجئ بمشاركة نائب الرئيس ديك تشيني في اللقاء، وقال: «استنتجت أن الرئيس أراد إقناع نائبه بالذهاب إلى الأمم المتحدة قبل الغزو، لأن تشيني كان من الداعين إلى العكس». وأضاف: «غادر بلير الاجتماع بشعور قوي أن بوش مستعد للذهاب إلى الأمم المتحدة، ولكن كنا نعرف بوجود جدل كبير حول ذلك». وأشار إلى أن «بلير أراد أن يجرد العراق من السلاح، وكان يعتقد أنه إذا كان ذلك سيؤدي إلى تغيير النظام، فليكن». وعن بدء التحضير للحرب قال مانينغ إن بلير بقي يصر على اعتماد القنوات الدولية حتى اللحظة الأخيرة، إلا أنه في سبتمبر (أيلول) من عام 2002، سأل وزارة الدفاع إذا كانوا يريدون أن يرسلوا فريقا إلى فلوريدا للمشاركة في نقاشات الفريق الأميركي للتحضير للحرب، وحول ما الذي ستقدمه بريطانيا في حال حصول حرب.وعن مرحلة ما بعد الغزو قال إن بريطانيا كانت قلقة بشأن خطط ما بعد الحرب، وقال إنه في زيارة قام بها لبغداد في مايو (أيار) عام 2003 «صُدم من الوضع الأمني ومن عدم التزام الجنود الأميركيين بحفظ الأمن ودعم أعمال إعادة البناء، كانوا لا يزالون في مزاج قتال عوضا عن حفظ الأمن». وقال إن رايس أيضا كانت قلقة من هذا الوضع، وإنها فوجئت من أن التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب أُعطيَ لوزارة الدفاع لا الخارجية، رغم أن الخارجية كانت قد رسمت خططا لذلك.وأضاف أنه «لم يتصور أحد مدى الفوضى الأمنية التي ستعمّ العراق بعد الحرب»، وقال: «مدى تدهور الأمن في بغداد ما بعد الحرب، كان مربكا جدا. الجيش الأميركي ظنوا أنهم يقاتلون حربا ولم يظنوا أن حفظ السلام كان من بين مهامهم». وكشف عن اعتراض بريطانيا على تفكيك الجيش العراقي وقرار اجتثاث البعث، إلا أنه أضاف أن القرار لم يكن متعلقا بهم.وقال: «لو تمت معالجة الوضع الأمني بشكل مختلف لكان الأمر مختلفا». وتحدث أيضا عن مفاجأة بريطانيا بعدم وجود قوات كافية لحماية الحدود وسورية وإيران، «وهذا يعني أن التمرد يمكن أن يحظى بدعم من هذين البلدين». وأضاف: «بعد الحرب، بدا أن الأميركيين يفقدون التركيز، العراق لم يعد يحظى بالاهتمام الذي أُعطيَ له في البداية. التدابير الضعيفة التي وضعها البنتاغون والتدابير على الأرض، كانت غير مركزة».وأشار إلى أن الوضع في البصرة، حيث كان البريطانيون، كان مختلفا. وقال: «الجيوش البريطانية اتبعت فلسفة مختلفة. كان من الصعب جدا إقناع الجيش الأميركي على الأرض أنه عليهم أن يتحملوا مسؤولية الشرطة. في بغداد، صدمت بالمشكلات الأمنية وبعدم رغبة الجنود الأميركيين بالخروج من دباباتهم وبدء بناء علاقات مع المجتمع. كانت هناك أيضا مشكلات البنية الأرضية، كان أمر أساسي أن يكون هناك تحرك آخر مختلف عن التحرك العسكري. لقد قلت للأميركيين أن عليهم أن يصلحوا إمدادات الطاقة والمياه». وعن توقعات بريطانيا لنتائج الغزو، قال مانينغ إن بلير ظن أن تخليص العراق من أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، «سيكون له أثر إيجابي على المنطقة»، وعلى دفع عملية السلام إلى الأمام