[size=16pt]الحزب الشيوعي العراقي ينظف ساحته من أوراق الخريف السياسي الساقطة
علي الكاش : : 2009-08-14 - 15:14:40
الحزب الشيوعي العراقي
ينظف ساحته من أوراق الخريف السياسي الساقطة
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
الحزب الشيوعي العراقي من أقدم الأحزاب في المنطقة العربية بلا منازع وهو حزب مناضل له تأريخه العريق، وتراث فكري ضخم قلما ينافسه فيه حزب آخر. والحقيقة انه بالإضافة إلى حزب البعث والأخوان المسلمين والحزب الناصري، يعد من الأحزاب السياسية المهمة في تأريخ الأمة العربية والتي لعبت دورا مهما في مسيرتها النضالية، رغم التباين الفكري في توجهات الأحزاب المذكورة أيدولوجيا ما بين الطابع الأممي والقومي والديني والعلماني. ولاشك أن الإنفجار السوفيتي الذي أحدثته الصراعات الداخلية في المنظومة الإشراكية بشكل عام والتدخلات الخارجية والتي أشعلت فتيلتها الولايات المتحدة الأمريكية بإعتراف وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت - كانت تشغل حينها منصب سفيرة بلادها في موسكو- كان له الأثر الكبير في التداعيات المريرة التي مر بها الحزب لاحقا على الأصعدة كافة. وهذه التداعيات لم ينحصر أثرها على الأحزاب الشيوعية العربية ومنها الحزب الشيوعي العراقي فحسب بل تركت آثارا مريعة على العالم بأجمعه وعلى المنطقة العربية بشكل خاص بعد أن ترنح الدب الأبيض في صراعه الطويل أمام الدب الأسود الذي أنفرد في الميدان الدولي ليفرض قوته وهيمنته وعولمته على الجميع رغم أنفهم. وكلنا يدرك إن الكثير من المجريات التي عصفت بالأمة العربية ما كانت قد تحدث في ظل عدم إنفراط العقد السوفيتي الى حبات متناثرة هنا وهناك, وإنعقاد لسانه في الأمم المتحدة أمام سلاطة اللسان الأمريكي.
الحزب الشيوعي العراقي كما أشرنا كان حزبا يمتلك تراثا فكريا مهولا مستمدا من النظريات الفكرية التي صاغها رواد الكفر الإشتراكي الأوائل منذ قرون خلت والإضافات والملاحق التي أبتدعها المتأخرون من مفكريه ليتكيف الفكر مع خصوصيات كل بلد مع بقاء أيدولوجية الصراع مع الفكر الأمبريالي (العدو الأيدولوجي) محورا أساسيا يجمع ويوحد كل فروع الحزب في شتى بقاع العالم. والكثير منا لم يدرك جوهرية هذا الصراع وأهميته إلا من الناحية النظرية, ولكن بعد إنهيار المنظومة الشيوعية أدركنا تلك الخطورة وفهمنا معنى إنفراد القطب الواحد فهما متأخرا مع الأسف الشديد. فالقطب الواحد يتزعم النشاط السياسي والأقتصادي الدولي الجديد ويحتذى الأمم المتحدة بكل هيئاتها، وأمينها العام أصبح موظفا ناشطا في الإدارة الامريكية. وكعراقيين لم ندرك خطورة هذا الإنفراد فحسب بل عشنا كل تفاصيله الدقيقة والمريعة منذ الغزو الأمريكي، وكنا مع أفغانسان أول من إنكوى بلظاه الحارق.
تفاجئنا بالطروحات الجديدة التي جاءت بها أحزاب المنطقة الخضراء وبتنا في دوائر مغلقة لا أول لها ولا آخر, لم يدر بخلدنا في يوم ما أن تنام الأحزاب الإسلامية على فراش واحد مع الإمبريالية وتتعانق بكل تلك الحرارة والألفة وفوق رأسها علقت لوحة فيها آية الكرسي! وفاجئنا الرئيس بوش الذي يدعي محاربة التطرف الإسلامي بدعم الأحزاب الإسلامية المتطرفة المستوردة من جارة الشر والعدوان, تلك الأحزاب التي حملت أسم الأسلام متجنية في ذلك على الإسلام وعلى نفسها، أحزاب سبق أن أرقتنا بمواعظها الرتيبة حول محاربة الشيطان الأكبر معزية له كل البلايا والرزايا التي نعاني منها, تخلت عن هويتها بطريقة مهينة وإنسلخت عن أصولها كما تنسلخ الأفاعي عن جلدوها. ونسذكر كيف كانت توجه نقدا لاذعا لحزب البعث في عبارة وردت كما يزعم على لسان علي صالح السعدي بأن قطار البعث ربما لم يخلو من فالكون(عربة) أمريكي, ورغم ان الجملة معتلة في أساسها الإعرابي, و(ربما ) لها معنى يفيد التذبذب ما بين الصح والخطأ، وقد أنكر الجملة الكثير من مفكري البعث لكنها بقيت يافطة متهرئة ترفعها الأحزاب المناوئة لحزب البعث في محاولة للنيل منه. على أعتبار إن أي دعم أمريكي لحركة سياسية عربية إنما يعني عمالتها للإمبريالية الأمريكية وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها أو الأختلاف حولها، حيث تعد لطخة سوداء في تأريخ أي حزب سياسي عربي. كما حمل البعث لمدة عشرين عاما وزر لقاء الرئيس الشهيد صدام حسين بوزير الخارجية(لاحقا) دونالد رامسفيلد, والقليل من يدرك أن ذلك اللقاء الذي جرى في شهر كانون الأول من عام1983 كان يمثل وجها مشرقا للقيادة العراقية وليس لطخة عار كما يصورها العملاء من عناصر تلك الأحزاب المشبوهة. لأن رامسفيلد لم يكن آنذاك وزيرا وإنما رئيسا لشركة( G.D.Co&Searle ) وإجتمع مع الرئيس الشهيد صدام حسين وطارق عزيز وناقشهما مسألة كيفية تسهيل صادرات النفط العراقية بسبب ظروف الحرب العراقية الايرانية. وعاود رامسفيلد زيارته عام 1984" على أمل حصول حكومة الرئيس ريغان على قروض إضافية للعراق من بنك التصدير والإستيراد وتسهيل إنسيابية صادرات العراق النفطية" وسجل عضو الوفد المرافق للوفد(Howard Teicher) وكان عضوا سابقا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في شهادة موثقة نشرت حينها بأن رامسفيلد نقل للعراق عرض إسرائيلي لتقديم مساعدات عسكرية، لكن العراق رفض العرض رفضا باتا"*1. أي ان القيادة العراقية رفضت أن تمد يدها الى الكيان الصهيوني كي لا تتسخ بمصافحته، رغم حاجتها الفعلية للأسلحة والذخيرة في حربها الطويلة ضد العدوان الإيراني الغاشم، على العكس مما قامت به إيران التي عقدت صفقات أسلحة مع الكيان الصهيوني والتي إفتضح أمرها فيما سمي وقتها (بإيران غيت) حيث كان آيات الشر يظهرون العداء للشيطان الأكبر ويبطون التعاون والتنسيق معه، مستطربين على وساويسه!
فاجئنا قدوم الأحزاب الإسلامية على ظهر الدبابات الأمريكية, مجسدة أزمة هوية لا يمكن مضغها بسهولة، وفاجئنا أكثر تعبدهم في المحراب الأمريكي بتخليهم عن القرآن وتفضيلهم التوراة والإنجيل, وتناسيهم الشيطان الأكبر ورذائله والدعوة السابقة لمحاربته، فقد حولوه بين ليلة وأخرى الى ملاك مقدس يطير بجناحي رحمة. وعندما إلتقى عبد العزيز الحكيم بدولة الرئيس بوش ليناقشة بشأن العراق ولم يسعفه اللسان المتعثر في الحديث فأخرج ورقة مطوية ليقرأ جملة عسر على القائد الهمام أن يحفظها على ظهر قلبه, وزار قداسة الأخير العراق المحتل وإلتقى بعبيده الأذلاء من قادة الأحزاب الإسلامية والذهنية الأصولية في المنطقة الخضراء، قرأنا الفاتحة على روح تلك الأحزاب كلها. فقد إنجلت الغيوم حتى أصبح كل شيء واضحا حيث تبين إن أجنة الأحزاب الأحزاب الإسلامية إنما تستمد غذائها وحياتها من الحبل السري الأمريكي. وان كل الشعارات التي كانت تطرح بشأن الشيطان الأكبر هي أشبه بالأوساخ التي تصاحب ولادة الطفل.
من الأمور التي أثار إستغرابنا أكثر من غيرها هو موقف الحزب الشيوعي بقيادة حميد مجيد موسى تجاه الغزو الذي شوه وعبث بالأطر الفكرية للحزب بل قلبها رأسا على عقب! في خطاب متهافت يفتقر إلى أبسط شروط الوعي والإدراك! فهذا المسخ الهجين وحزبه المتشرذم إنطوى تحت جناح الإمبريالية كما تنطوي كتاكيت الدواجن تحت أجنحة أمهاتها بحثا عن الدفء, إنحراف باهر بدرجة(180) يعمي العين من قوته عن ايدولوجية الحزب عندما تحول العدو الايدولوجي بين ليلة وضحاها الى صديق! أدركنا خلالها إن حزب موسى قد دخل منطقة التخلخل الديالكتيكي وافتقد قانون الجاذبية الوطنية، ناحرا تراث ماركس وإنجلز ولينين وفهد وسلام عادل وغيرهم من الرواد قربانا عند قدمي الرئيس الامريكي بوش. وبتنا نتسائل مع أنفسنا كيف ينحرف الحزب- وليس الشيوعي فحسب بكل الأحزاب العميلة أو المهادنة للأمبريالية- بتلك الزاوية الحرجة دون إدراك مغبه وخطورة ذلك على مستقبلهم السياسي فنقاط التلاقي مع الامبريالية متقزمة أمام نقاط الاختلاف المعملقة ؟ وما عسى أن يقول الحزب لأعضائه وكيف يبرر سقطاته المهلكة؟ هل أصبحت الإمبريالية مفهوما مرادفا للأشراكية والشيوعية؟ هل أصبحت الطائفية بديلا عن الأممية؟ وهل هناك تشابها في الوسائل والأهداف بينهما؟ أم كان هناك تشابكا أو تلابس بين تلك المفاهيم تمكن فرع موسى من حله بحنكته براعتة الإنتهازية؟ أم أنه زمن الردة للأحزاب السياسية والعودة الى المشاعية الأولى؟ كيف يتسنى لهذا الحزب الذي كان يدوس الإمبريالية بقدمية يسمح لها بالتسلق على كتفيه؟ لم نستفق بعد من صفعة موسى حتى عاجلنا بأشد منها! فقد إنحرف الحزب ثانية بنفس الدرجه(180) لكن للإتجاه المغاير هذه المرة بإنطوائه تحت يافطة الإئتلاف الشيعي! ولا أحد يجهل منا موقف الحزب الشيوعي من الأديان بصورة عامة! سواء ماورد في مقولة ماركس الشهيرة أو من أعقبه من المفكرين وهو مواقف واضح لا لبوس فيه ولا يحتاج الى التأويل, ويمثل أحد أهم سقطات الأحزب الشيوعية العربية التي لم تراع الجوانب الروحية, لكن هذا الجانب خارج سياق موضوعنا حاليا، فنحن نتحدث عن الجانب السياسي والوطني للحزب الشيوعي العراقي ما بعد الغزو الامريكي للعراق وليس تأريخه الطويل بسلبياته وإيجابياته التي تكمن خلفها عوامل عديدة. فنحن نؤمن بمبدأ المواطنه الحقيقية " الدين لله عزً وجل والوطن للجميع".
تولدت مشكلة عويصة توخز ضمير كل شيوعي غيور على وطنه، وهي كيف يبرر الحزب هذا التوجه المتطرف؟ ان يغير الحزب أيدولوجيته ويتخذ منهجا علمانيا جديدا بفعل المتغيرات على الساحة الدولية والعربية والعراق بشكل خاص، ربما سيكون الوضع مفهوما وله تبريرات منطقية يمكن أن يستوعبها عناصره وبقية العراقينين. لكن أن ينطوي تحت يافطة المذهبية المتطرفة فهذا أمر يثير الحيرة والشكوك! فالمذهبية كما معروف واحدة من الواجهات التي يعاديها الفكر الشيوعي. ولكن من المؤكد أن من يحتذي الأمبريالية بقدم سيحتذي الطائفية بقدمه الأخرى! وقد وصف الكاتب نصر حامد أبو زيد الطائفية بأنها " تشطر الإنسان إلى نصفين، قوتين تمقاتلتين تنتجان تبادلا للسيطرة والعنف"*2 ويبقى للمشكلة عقدة محكمة يصعب فكها وهي: طالما إن الحزب يضم من بين عناصره كوادر وأعضاء من ديانات ومذاهب أخرى فكيف سيكون موقف هؤلاء من توجهات الحزب الجديدة؟
[/size]