مشروع نجفتيكان.. وثنائية مقتدى الصدر والسيستاني.. وإصبع بريطانيا الأخير في العراق
الجزء الأول
شبكة البصرة
ابن الحدباء
قبل أن تطأ أقدام الغزاة تراب الرافدين، كانت المخابرات البريطانية والامريكية قد فرغت من أعداد السيناريو الكامل لتفتيت العراق، وفق ما هو قائم اليوم. فبينما رصدت الولايات المتحدة الأموال لذلك السيناريو، اشتغلت بريطانيا على تنفيذه، مستندة الى تاريخها الطويل في الاحتلالات وصناعة الفتن السياسية على طول الارض وعرضها.
ولأن الولايات المتحدة لم تكن تربطها بالمعارضة العراقية أية خيوط علنية، على أعتبار سريان الحظر الذي كانت قد فرضته ادارة بوش –الأب- على موظفيها بمنعهم من الاتصال باي من أطراف المعارضة العراقية حتى بداية العام 1992 وهو العام الذي دفعت فيه المخابرات الامريكية عميلها أحمد الجلبي، مدعوما بأموالها، ليلعب دور العراب وقيادة خرفان المعارضة العراقية، الى مؤتمر فينا..ففي هذا العام، انصب جهد بريطانيا- ضمن اللعبة- في البحث عن الدمى التي ستتولى تنفيذ المخطط الذي رسم للعراق. بعملية مخابراتية معقدة يمكن وللدلالة على نتائجها تقسيمها لمرحلتين: الأولى امتدت بين عامي 1992 – 1999 وهي المرحلة التي يجوز اصطلاحا تسميتها (مرحلة الغربلة) أما المرحلة الثانية وهي التي ابتدأت بالعام 1999 وحتى 2003 وهي(مرحلة النخل) التي كانت خلاصتها أو(نخالتها) الخلطة التي أعدها (بريمر) لتشكيل مجلس الحكم الانتقالي واختيار المستشارين السريين لإدارة الوزارات العراقية.
ومن بين كل تلك السنين، اتسم العام 1999 بأهمية بارزة، ففي هذه السنة، تم تفعيل قانون تحرير العراق، بعد أن أجبر اللوبي اليهودي في الكونجرس الأمريكي، الرئيس بيل كلينتون على توقيع القانون مقابل غلق ملف فضيحة مغامرته مع اليهودية -مونيكا لوينسكي- وفي هذا العام أيضا قتل محمد صادق الصدر- والد مقتدى- ومع وجود اجماع لدى شيعة العراق العرب، بأن المتهم باغتيال محمد صادق الصدر، هي إيران، فان دلالة الحدث الذي سنأتي على ذكره ستكون أدق وأعمق لما كان يحضر للعراق عموما، ولشيعة العراق على وجه الخصوص؛ ففي نفس العام -1999- شهدت لندن إجتماعا تأريخيا بين صهيوني النخاع (نيتنياهو) ومجموعة من خلاصة المعارضة العراقية خلال (مرحلة الغربلة) وهذا الاجتماع الذي نسق لعقده (عبدالمجيد الخوئي) الذي قتل في النجف في اليوم التالي لإحتلال بغداد، ليلعب ومنذ لحظة مقتله، دورا أساسيا في دعم قصة الصراع غير المتكافئ بين بطلي مقالتنا هذه، ومحورها الأساس (مقتدى الصدر) و(علي السيستاني).
بمقتل عبدالمجيد الخوئي، واتهام مقتدى الصدر بالتحريض على قتله، أصبح مقتدى الصدر المطلوب رقم واحد بعد قائمة ال (55) من اعضاء القيادة العراقية السابقة، ومع أن المذكرة لم تفعل الا بعد عام من صدورها، مع تأكيد صدر من المستشارة القانونية الأميركية المشرفة على محكمة استئناف النجف التي صرحت: "بان سلطة التحالف جادة في القاء القبض على مقتدى الصدر باعتباره - متهما في جريمة قتل- متمنية ألا يتم انقاذ الصدر من الملاحقة القانونية بفعل اية لعبة سياسية" ومما لا شك فيه فان المستشارة الأمريكية بتصريحها ذاك، كانت تدرك مدى الأهمية التي يشكلها عبدالمجيد الخوئي بالنسبة للمشروع الانجلو-أمريكي في النجف وكربلاء تحديداً. ففي الوقت الذي وصفه شقيقه عباس الخوئي: بأنه عميل بريطانيا الأول، ودعا لقاتليه بالجنة وعلى أخيه بالجحيم، صرح (توني بلير) مباشرة "لقد خسرنا رجلا يصعب تعويضه" فبريطانيا بخسارتها للخوئي كانت قد خسرت والى الأبد بيدقا ضخما من بيادق لعبتها في العراق، فهو العراب الذي اختارته لتنفيذ مشروعها الشيطاني لتدويل النجف وكربلاء. وهي التي حرصت على اداخله الى النجف منذ اليوم الأول للاحتلال رفقة الدبابات البريطانية، للالتقاء بالسيستاني وعرض مخططات المشروع عليه، فيشاء القدر أن يكون لمقتدى الصدر يدا في تعطيل ذلك اللقاء، وتعطيل ذاك المخطط. بعملية انتهت بتقطيع أوصال الخوئي في مرقد الامام علي (رضي الله عنه وعليه السلام) بعد تثقيبه بمفكات البراغي (الدرنفيسات) والسكاكين قبل إطلاق الرصاص عليه.
حتى ذلك اليوم لم يكن تسعة أعشار العالم قد سمع بالسيستاني ولا بمقتدى الصدر، ولولا مقتل عبدالمجيد الخوئي وما اشيع وقتها في الاعلام بأن اتباع الصدر، قد فرضوا على السيستاني الاقامة الجبرية، ومن ثم تصريح ولده رضا السيستاني بأن "أية الله العظمى محتجب عن الظهور خشية الفتنة " ربما كان العالم سيبقى على عدم علمه بالسيستاني ومقتدى الصدر. اللذان ساهم غياب الخوئي في ابرازهما للعلن، إبراز دفع الى السطح حقيقة وحجم الخلاف والصراع الكبير، الذي كان يدور ومنذ عقود طويلة في دياجير النجف وأقبيتها، حول أحقية الزعامة الدينية، الى جانب ما تشكله المدينة من ضرع اقتصادي يدر الذهب!!
في الجزء الثاني، سنقرأ خفايا تشكيل جيش المهدي وكيف ولماذا سكت الانجلو-أمريكن عنه ولماذا ترك مقتدى الصدر حراً حتى اليوم؟