الدعايه النازي....فمن هو يونس بحري؟
ولد يونس صالح بحري الجبوري في الموصل في العراق في عام 1903 و كان والده صالح آغا الجبوري عاملا للبريد في الجيش العثماني حيث يؤمن وصول البريد بين الموصل و مركز الدوله العثمانيه اسطنبول ـ تدرج يونس بحري في دراسته حتى دخل دار المعلمين العاليه سنة 1921 و لكنه لم يكمل تعليمه بها فعمل في وزارة الماليه بوظيفة كاتب حتى عام 1923.
و في السنه ذاتها (1923) خرج يونس بحري من العراق فعاش في العديد من الدول الآسيويه و الاوروبيه و عمل في مختلف الوظائف و بعدها بسنتين عاد مجددا الى العراق حيث أصدر أول كتبه (العراق اليوم) و ما لبث ان عاد لهواية التنقل و السفر حتى اشتهر باسم (السائح العراقي) في كل مكان حل فيه.
شهد عام 1925 بداية بزوغ نجم يونس بحري كمعلق صحفي و مذيع في اوساط السياسيين في الدول التي ارتحل اليها و من أشهرهم الملك عبدالعزيز آل سعود الذي قابله في الرياض عام 1925 و من أشهر ما يحكى من مواقف وحكايات قبل أن يلعلع صوته في برلين حكايته في جامع باريس الذي بني في العشرينات من القرن الماضي وكان يحوي إلى جانب الجامع والسوق والحمامات العربية، مطعما مغربيا، وملهى ليليا، كان يونس بحري يؤذن للصلوات الخمس في مئذنته بصوته العريض، ويتولى الإمامة بالمصلين عند الحاجة، وفي الليل كان يرأس تخت الموسيقى في الملهى، فيعزف على العود ويغني الأدوار التي يجيدها ولا يتأخر عن المشاركة بالرقص الشرقي مقلدا أشهر العوالم في القاهره.
: و من الاعمال الاخرى التي عمل بها يونس بحري في حياته بجانب عمله كمذيع و صحفي
- في الهند حيث عمل مراسلا لأحد الصحف الهنديه عمل راهبا في النهار و راقصا في ملهى ليلي
في اندونسيا حيث اصدر مجلة الحق و الاسلام و مجلة الكويت و العراق التي اصدرها مع الراحل عبدالعزيز الرشيد عام 1931 و توقفت عن الاصدار عام 1937 عمل مفتيا في احدى جزر اندونيسيا و من أطرف ما فعله عندما جاءه أحد السكان المسنين و بصحبته فتاة في منتهى الجمال طالبا منه عقد قرانه عليها حيث اعجب بها يونس بحري و قال للرجل المسن انه لا يجوز شرعا للرجل الطاعن في السن الاقتران بفتاة اصغر منه فصدقه الرجل لكونه مفتيا فترك الفتاة و تزوجها يونس بحري.
في ليبيا عمل مستشارا لملك ليبيا السنوسي
و في الثلاثينات عاد يونس بحري الى العراق مرة اخرى و أصدر عدة مطبوعات كجريدة العقاب السياسيه الادبيه و من أهم ما عمله في تلك الفتره عندما كان اول من قدم الملك غازي من اذاعة قصر الزهور حيث كان يونس بحري هو الصوت الذي يعبر عن آراء و افكار الملك غازي و ما بين عامي 1935 و 1939 لم يخرج يونس بحري كثيرا خارج العراق عدا زيارته لمنطقة عسير حنوب السعوديه و مشاركته باسم العراق في سباق لعبور القنال الانجليزي (المانش) سباحة و من الطريف ان يونس قد شارك في السباق من دون اعداد مسبق او تدريب فكانت المفاجأه فوزه بالمركز الاول و الميداليه الذهبيه!!
جاء خروج يونس بحري من العراق عام 1939 هاربا من الشرطه العراقيه حيث صدر امرا بالقبض عليه في ابريل 1939 ذلك بعد يوم من وفاة الملك غازي جراء حادث سياره حيث اصدر باليوم التالي صحيفه العقاب متشحه بالسواد و العنوان الرئيسي كان (مقتل الملك غازي) حيث اتهم في مقاله الانجليز و نوري السعيد و الامير عبدالاله بافتعال حادث السياره للملك الذي كان يدعو للتخلص من الاستعمار و كان يونس بحري نفسه الذي كان يوزع هذه النسخه من الصحيفه و هو على ظهر دراجته الناريه فكانت نتبجة مقالته تلك التظاهره الكبيره في الموصل التي ادت الى مقتل القنصل البريطاني العام
بعد اغتيال القنصل البريطاني اردك يونس بحري خطورة بقاءه في اعراق فقابل القنصل الالماني في بغداد طالبا منه الهرب الى المانيا فكان من حسن حظه انه كان هناك وفدا صحافيا المانيا قد جاء على متن طائرة حيث استقلها في عودتها الى برلين في الوقت الذي كان رجال الشرطه قد دخلوا منزله للقبض عليه !
برلين .. المحطه الاهم
جائت الشهره الحقيقيه ليونس بحري حينما اصبح مديرا و مذيعا لاذاعة برلين العربيه التي كان يروج من خلالها الدعايه النازيه و الخطاب العدائي لبريطانيا و حلفائها.
و بداية القصه عندما وصل يونس بحري الى برلين هربا من العراق حيث التقى وزير الدعايه النازي جوزف غوبلز و الدكتور الفريد روزنبرج منظر الحزب النازي و شارح قوانينه حيث اصبح خلال فتره قصيره أحد المقربين للقياده الالمانيه و اصبح يحضر الاحتفالات الرسميه مرتديا البدله العسكريه الالمانيه برتبة مارشال و مرتديا الصليب المعقوف على ساعده و قابل العديد من رموز النازيه بما فيهم ادولف هتلر و من الاوروبيين الفاشي الايطالي بينيتو موسوليني..
جائت بداية تأسيس اذاعة برلين العربيه عندما شرح الفكره لوزير الدعايه جوبلز التي رحب بها لتكون المحطه المواجهه لبي بي سي العربيه خصوصا بعد ان اقنعه يونس بحري بجدوي الاذاعه التي ستقاسم العرب كرههم لبريطانيا.
من الطريف ما عمله يونس بحري من اجل جذب المستمعين العرب لاذاعة برلين حيث طلب من جوبلز ان يوافق على بث القرآن الكريم فيبداية ارسال الاذاعه حيث تردد جوبلز و أوصل المقترح الى هتلر الذي وافق عليه بعد ان شرح له يونس بحري ان بث القرآن الكريم سيجذب انتباه المستمعين العرب الى اذاعة برلين و العزوف عن استماع للبي بي سي التي كانت لا تذيع القرآن فكانت النتيجه ان كانت اذاعة برلين هي المفضله عند العرب و ماهي الا اشهر قليله و بدأت البي بي سي ببث آيات القران بالمثل !.
اشتهر يونس بحري بعبارته الافتتاحيه الشهيره (هنا برلين حي العرب) حيث كانت بمثابة شارة افتتاح برامج الاذاعة التي كانت تهدف الى مهاجمة قوات التحالف و توعية الجماهير العربيه بخطر الاستعمار و يبشرها بالحريه على يد قوات هتلر النازيه و كان كثيرا ما يخرج عن نهج المحطه بشتمه لملوك مصر العراق و اتهامهم بالعماله و العبوديه.
بعد سقوط برلين على يد الحلفاء ، كان يونس بحري من الاسماء المطلوب القبض عليها و جاءت قصة هروبه من قيضة الحلفاء مثيره،
' حيث ذكرها منير الريس رئيس تحرير صحيفة البردي الدمشقيه في الكتاب الذي اسماه (الكتاب الذهبي للثوره الوطنيه في المشرق العربي) و كيف تعرف على يونس بحري، فقال:
في صباح اليوم الثالث من مايو عام 1945م، جمعتنا الصدفة في مرسيليا بيونس بحري طليقا، يندفع نحونا يهنئنا ويعانقنا، فسألته: كيف استطاع الوصول إلى مرسيليا دون أن يقع بيد الحلفاء؟ فقال:
إنه خرج من برلين مع عدد من الأجانب قبل أن يحاصرها الروس، وحرَّف اسمه المسجل في جواز السفر بالأحرف اللاتينية، يوني باري جبوري، محرفا من يونس بحري الجبوري، وزعم للمحققين أنه كان معتقلا في ألمانيا وأطلعهم على أثر جرح قديم في جسمه من أثر شجار قديم، كأنه من آثار التعذيب، فسمحوا له بالسفر إلى باريس·
وفي صباح يوم 18 مايو 1945م، أبلغونا بأن أسماءنا سجلت في كشف المسافرين على الباخرة 'بروفيدانس' إلى الجزائر، فنقلنا حقائبنا إلى الميناء وجلسنا فوقها ننتظر أسماءنا تعلن لنصعد إلى الباخرة، وإذا بعربي يركض نحونا يصيح بأعلى صوته: هذا منير الريس·· وهذا يونس بحري·· وهذا الدكتور عادل المسكي·· فالتفتنا نحو الصوت، وإذا به الدكتور عادل القحف من الطلاب السوريين كان يدرس طب الأسنان في ألمانيا·
ويقول منير الريس:
لقد نصحت يونس بحري ونحن في عرض البحر بأن يمزق جواز سفره ويبقى محتفظا بالورقة الرسمية التي أعطيت له في باريس بعد التحقيق معه للدلالة على هويته، فلم يرض·
وصلنا إلى الجزائر في 20 مايو 1945م، وفي يوم 26 مايو 1945م وصلنا بالقطار إلى تونس، وعندما دقق رجال الأمن بتونس، بجوازات سفرنا وفتشوا حقائبنا لم يجدوا سوى مسدس للدكتور المسكي، فصادروه، لكنهم وعدوا بإعادته إليه عند مغادرته تونس، واحتجزونا، واستدعى الضابط الفرنسي، الدكتور عادل المسكي وبدأ التحقيق معه، ولما عرف يونس بحري أن الدور سيأتي عليه في التحقيق، أخرج من جيبه رخصة دولية لسياقة السيارة باسمه ومزقها، فلاحظ حركته أحد الحمالين الذين - غالبا - ما يكونون مخبرين في مثل هذا المكان، فتوجه الحمال وأبلغ رجل الأمن بالورقة التي مزقها يونس بحري، وقام ليرميها في دورة المياه، فلحق به رجل الأمن وأمسك بيده وأخذ الورقة الممزقة من قبضته وراح يصففها في المكتب ليعرف سبب تمزيقها، ثم استدعى يونس بحري إلى غرفة رئيس الأمن وفتش جيوبه، وعثر على جواز السفر في جيبه، وعرف أن يونس بحري مذيع محطة برلين، وسرعان ما عاد إلينا رجال الأمن وطلبوا أن نرفع أيدينا في الهواء، ولما سألتهم عن السبب قال أحدهم: 'ألا تدري أنك من عصابة يونس بحري' وقام رئيس الأمن العام محاولا الاتصال برؤسائه في تونس، ولما تهيأ له ذلك، نقل إليهم نبأ القبض على المذيع يونس بحري! مذيع هتلر في برلين·
وتابع منير الريس:
ولما حانت لي فرصة الانفراد بيونس بحري، قلت له: لقد وقعت يا يونس! فلا توقع غيرك معك، قال: 'لن أدل عليك·· ولن أتكلم بما يؤذي أحدا منكم! وأنتم قد يطلق سراحكم قبلي·· ولي طلب عندكم فيما إذا أصبحتم أحرارا، وبقيت أنا في السجن، أرجوكم أن تبلغوا السفارة أو القنصلية العراقية، وإذا لم يكن فيه سفارة عراقية فابلغوا أي سفارة أو قنصلية بريطانية بأنني سجين في تونس!'
وأدركت في تلك اللحظة أنه جاسوس بريطاني، إذ ظل أكثر من ثماني سنوات وهو يشن من محطة برلين أبشع الكلام على بريطانيا وعملائها وحلفائها، ويشتم عبد الاله، الوصي على عرش العراق، والأمير عبدالله بن الحسين، أشد الشتائم فلا ذكر اسم عبدالله إلا وينعته بالحاخام، ولا يذكر اسم عبد الاله إلا وينعته بالصبي، ولا يذكر اسم نوري السعيد إلا وينعته بالنوري الشقي، بفتح النون والواو، فكيف لم يكتشف الألمان هذا الجاسوس؟·
( يتبع )