عَملية الختان او الطهور كما يسميها عامة الناس لدى الطفل او الصبي في المجتمع البغدادي الشعبي شهقة فرح ممزوجة بأحاسيس من الوجل والخوف تنتاب الطفل متى ما سمع من ذويه او اقاربه تلميحا عن موعد ختانه مع ان نفسه الطرية التواقة الى الملابس الجديدة الفضفاضة الزاهية والحلوى والنقود تنثال عليه ناهيك عن الرعاية الفائقة والحنان المتميز الذي يمنحه اياه اهله مما لم يكن يالفه في غير هذه المناسبة وهو امر على قدر كبير من الاهمية من الناحية النفسية للطفل لما يكتنف عملية الطهور من الام مبرحه له نتيجة الطريقة التقليدية المتبعة في الختان والتي لاتستخدم فيها احياناً اساليب الطب الحديث.
ومن الجدير بالذكر ان نشير هنا الى ان عادة الختان كما تشير اليها المصادر التاريخية هي عادة مصرية قديمة مارسها المصريون في منتصف الالف الثالث قبل الميلاد اي قبل ظهور النبي موسى (عليه السلام) بالف وثلاثمائة عام كما ان هذه العادة كانت شائعة عند بعض القبائل في الجزيرة العربية منذ عصور غابرة وانها لم تنتقل من اليهود الى العرب كما يظن ذلك ان عرب الجاهلية كانوا مستمرين على طهارات الفطرة التي ابتلى بها ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن وهي الكلمات العشرة خمس في الرأس وخمس في الجسد فاما التي في الرأس فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك واما التي في الجسد فالاستنجاء وتقليم الاظافر ونتف الابط وحلق العانة والختان فلما جاء الاسلام قررها سنة من السنن واذ يقترب بنا الزمن من العصر الاسلامي الى العصر العباسي حيث الترف وتعاظم مظاهر الابهة والمبالغة في اقامة الحفلات بمناسبة الختان.
فان البغداديين القدماء لم يقطعوا خيوط التواصل القديمة في احياء الحفلات واقامة مظاهر الفرح رغم ما كابدوه من نكبات طبيعية وما تجشموه من جور وظلم الفرس والعثمانيين على امتداد الحقب التاريخية التي احتلوا خلالها بغداد وكانهم ارادوا بذلك ان يؤكدوا هويتهم الاصيلة بهذا التواصل التراثي.
ومن عادات وتقاليد الختان عند البغداديين استباق عملية الختان عادة ليلة الحنة حيث تستدعى الجدة القابلة التي ساعدت الام على انجاب المولود لكي تقوم بعملية الحناء في ليلة طهوره حيث تقام الافراح ومجالس الطرب كل حسب امكانياته المادية فمنهم من يأتي بالجالغي البغدادي او الدومة التي تسمى بالصفكة كما تغنى المربعات البغدادية والمقامات والاغاني الشعبية وبعض من العوائل الغنية تستدعي فرقة الكاولية الراقصة وتنتهي حفلة الحناء بترديد الحاضرين والمدعوين عبارة الليلة حنته وباجر يطهرونه وتتعالى زغاريد النسوة اما موعد الختان فيحدده والد الطفل او ولي امره وتبدأ قبل ذلك بيوم مراسيم الحلاقة حيث يحضر حلاق المحلة لحلاقة الطفل وعلى ايقاع انغام موسيقى احدى الفرق الشعبية ثم يتجمع الحاضرون والمدعون ليكونوا موكباً زفة تتقدمه الشموع الموقدة والطفل المعني بالطهور وهو يرتدي ثوباً ابيض( دشداشة) وطاقية في راسه العرقجين كما يرتدي الاطفال الاخرون من اقرانه الذين يشاركونه هذه الزفة الملابس الجديدة ويتقدم هؤلاء جميعاً صبية يضعون على رؤوسهم صواني تنتظم فيها الشموع الموقدة من كل لون فضلاً عن سلال الحلوى والملبس واباريق الياس واواني الملبس ومما يجدر ذكره هنا ان الطفل الذي ينتظر الختان يحمل من قبل والده او احد اقاربه ان كان صغيراً او يسير على قدميه معه بقية المشاركين في موكب الزفة ان كان قادراً على ذلك وبعد مسيرة طويلة او قصيرة بين المحلات يعود الموكب الكرنفالي الشعبي الى بيت الطفل وفي صبيحة اليوم الباكر التالي تجري عملية الختان في اجواء الموسيقى الشعبية وزغاريد هلاهل النسوة وتنشر الحلوى من كل زاوية من زويا البيت وشبابيكه وتختتم هذه المراسيم بعزف متفق عليه من قبل اعضاء الفرقة الموسيقية.