اشتدت قوة العاصفة الترابية التي ضربت بغداد منذ مساء الثلاثاء، اذ تحولت السماء الزرقاء الى لون الدم، معيداً الى الاذهان مقولة الجدات (العجائز)، بان (سيداً علوياً) قد قٌتل، بل ان الاجواء اليوم تذكر بـ (الجمعة الحزينة) او يوم عاشوراء.
وتسبب الغبار الاحمر الدقيق بارتفاع عدد الذين يراجعون المستشفيات بسبب امراض الجهاز التنفسي والربو. وقال إبراهيم سعيد، ملتقطا أنفاسه بصعوبة ومستعينا بقناع الأكسجين، بينما كان جالسا في جناح طوارئ مستشفى ابن النفيس وسط بغداد، (لا أتحمل هذه العواصف الرملية) مضيفا بصوت متهدج (لا أستطيع التنفس).
ومنذ مطلع الصيف الحالي، تضرب العراق عواصف رملية بشكل شبه يومي، بحيث باتت الحياة تزداد صعوبة، وترغم المئات ممن يعانون مشكلات في التنفس على التوجه إلى المستشفيات، فضلا عن غلق المطارات أمام الرحلات الجوية بسبب انعدام الرؤية.
ومع استمرار هبوب العواصف الترابية بات البعض يطلق على بغداد، تسمية مدينة (الغبار)، تشبها بالعاصمة لندن التي يطلق عليها مدينة (الضباب). فمنظر الغبار أصبح شبه طبيعي، وأصبح اللون (البيجي) هو المفضل لملابسهم كونه الأقل تأثرا بالجو، أما الكمامات فانتشرت بشكل ملفت للنظر في جميع شوارع بغداد، وبقية المدن الأخرى، بالاضافة صيدليات الطوارئ التي استحدثت في كل مستشفى وخصصت فقط لإسعاف حالات الربو والاختناق جراء الغبار.
وهبوب العواصف أمر مرتقب، خصوصا في حزيران سنويا، لكنه أصبح ظاهرة شبه يومية خلال الصيف الحالي. يقول إبراهيم (46 عاما) (لم أصادف مشكلة في التنفس مثل هذه، كان هبوب العواصف الرملية من حين لآخر، لكن المعاناة حقيقية هذا العام). وما يزيد من معاناة العراقيين، الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين في بعض الأحيان، في حين يصعب الحصول على هواء نقي بسبب العواصف الرملية.
ويقول أمين حسين، وهو مريض آخر في قسم الطوارئ: (كلما تهب العواصف الرملية، أتعرض لأزمة بسبب صعوبة التنفس) مشيرا إلى أن (الكهرباء تأتينا ساعات قليلة فنكون مرغمين على فتح الأبواب والنوافذ لدى ارتفاع درجات الحرارة). ووفقا للسلطات العراقية، فإن نسبة التصحر آخذة بالازدياد، خصوصا خلال العامين الماضيين، ما يؤدي إلى تصاعد في وتيرة العواصف الرملية، التي تضرب عموم المنطقة، بما فيها السعودية وإيران.
وبحسب وزارة البيئة ، فإن معدل العواصف خلال تسعينات القرن الماضي، كان ثمانية أيام من العواصف الرملية في السنة، أما الآن فلا يكاد يمر أسبوع من دون عاصفة، جراء نقص كميات الأمطار خلال السنوات الماضية وتدمير الغطاء النباتي، بسبب العمليات العسكرية في العراق منذ عام 1980 وحتى الان.
ووفقا للمصدر البيئي، فأن (حماية الغطاء النباتي في عموم البلاد هو الحل الوحيد لمواجهة التصحر).
ويتوقع فاضل الفراجي، مدير الهيئة العامة لمكافحة التصحر استمرار العواصف الترابية، وقال أن توقف موجات الرياح الترابية في العراق أمر شبه مستحيل حاليا في العراق، وسنبقى تحت هذا الظرف طيلة فصل الصيف.
وأكد أن خطة وزارية حاليا تسير بثلاثة اتجاهات، أولها وجود رمال متحركة نريد تثبيتها، والثانية إنشاء مراعي طبيعية، والأخيرة توسيع الواحات الصحراوية عبر حفر الآبار وتكثيف الزراعه بجوارها.