تلوح في وضع ايران الحالي عناصر تُذكّر بالاضطراب السياسي الذي أفضى الى الثورة الإسلامية في 1979 وأطاح الشـاه ونـظامه. فالحكومة الإيرانية تدين، تاريخياً، بمشروعيها الى مـصادر أربعة هي: كفاءتها الإدارية، ومرجعيتها الدينية، والتزامها استقلال إيران، وقـدرتها على إرساء قـاعدة اجـتماعـية مسـتقرة واسـتمالتها.
والأركان الأربعة هذه تصدعت، ولا ينفع معها الإصلاح.فالتزوير الكثيف لانتخابات 12 حزيران (يونيو) قيد ثقيل على إدارة الرئيس محمود احمدي نجاد، شؤون الدولة. والحركة الشعبية العفوية، غداة الانتخابات، قوضت مشروعية الحكومة السياسية. وتهديد مرشد الجمهورية، آية الله علي خامنئي، المعارضة بتجريد حملة عليها، إذا هي لم تعترف بنتائج الانتخابات، نزع عن النظام المشروعية الدينية.
وهي تشكو التردي، منذ بعض الوقت، في صفوف أنصار النظام ومقلدي آيات الله والمراجع. وخسر النظام قاعدة سلطته الأولى، وهي تجار البازار وكبار ملاكي الأرض. وكان ولاء القاعدة الاجتماعية هذه ركن الاسـتبداد في ايـران. فاستـعاض الـنظام المـستبد عـن ولائـها بخطر التدخل الأجنبي، والتلويح به، والتستر على تعامله مع الولايات المتحدة سراً، وعلى مشكلاته مع الدول الأخرى.
و واتى عهد جورج بوش النظام الإيراني، التهديدُ العسكري المزمن، والعقوبات الاقتصادية، سيطرة النظام على السكان. وعلى خلاف بوش، أحرجت سياسة باراك أوباما الناعمة النظام. وأضعفت تذرعه بحماية سيادة البلاد واستقلالها من التدخل الأجنبي. واسـتبدل النـظام سـنده الـسابق، اي علماء الدين، بعصابة عسكرية - مالية، ويهيمن الحرس الثوري على الحكومة.
وهو يقصر دور العلماء على تسويغ حكم الحرس البلاد. وعلى غرار الحكم الملكي السـابق، ينـهض النظام على أركان داخلية وخارجية تعرضه للاختلال لدى أول امتحان. وتجوز المقارنة بين انتخاب جيمي كارتر، في 1976، وبين انتخاب أوباما، في 2008.
ورأى الإيـرانيون في انتخاب كارتر تهديداً لـمصدر السلطة الخارجي الأول، وهو الدعم الأميركي للشاه. وإذا مـضى أوبـامـا عـلى تـخـليه عـن الـسياسـات الـمتشـددة حـيال ايـران وحـرمان النـظام عامل التأزيم الذي يحتاجه، فقد تـســلك الانـتفـاضـة الـطـريق الـتي أفـضـت الى ثورة 1979. والحق ان الحركة الحالية تختلف عن الاضطرابات التي أدت الى تلك الثورة. فالمعارضة، اليوم تصدر عن داخل النظام، والباعث عليها هو تزوير الانتخابات الرئاسية.
وعلى رغم وجود قرائن على تنامي حركة الاحتجاج، يحتاج امتدادها وانتشارها الى بعض الوقت. ومستقبلها، جزئياً، هو رهن الخروج من الطريق المسدود الذي عبّده خامنئي ونصبه. فالحقيقة ان الانتخابات زورت، وأن خامنئي افتعل «انقلاباً مخملياً».
ونجم عن هذه الحال استقطاب حاد. ولا ريب في ان مبادرة أي طرف في كلا المعسكرين الى تغيير موقفه هي في مثابة انتحار سياسي. وليس في مستطاع خامنئي أو أحمدي نجاد الاعتراف بتزوير الانتخابات، خشية خسارتهما البقية الباقية من المشروعية القانونية والسياسية.
وفي المقابل، يعلم الرئيس السابق، علي اكبر رفسنجاني، والمرشحان مير حسين موسوي ومهدي كروبي، انهم يخسرون التأييد الشعبي، ويصلتون على أنفسهم سيف نظام لا يصفح، إذا هم استجابوا شروط خامنئي.
وتوسل النظام، في سبيل التمكين لنفسه، بتقسيم النخبة مجموعتين متنافستين والقضاء على الواحدة بواسطة الأخرى. وطاول النهج هذا قلب النظام، وهو يتهدده بخطر قاتل. ويعارض كوادر الحكم احمدي نجاد، فيما حرمت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة النظام من الموارد، وفاقمت الاستياء الشعبي.
ولكن الحال هذه وفرت للشعب الإيراني مخرجاً من الصراع القائم. فإذا كف الشعب عن المقاومة وتخلى عنها، كان جزاؤه أوقاتاً قاسية. وإذا مضى على حركته، فقد تلد حركته ثورة لا يبعد ان ترسي الديموقراطية. والقرائن على عزم الشعب الإيراني على الاستمرار هي الراجحة.