أمينة المفتي... الأرستقراطيّة التي أدمنت الخيانة
القاهرة - صلاح الإمام
القصة الكاملة اربعة حلقات نقلاً عن الجريدة الكويتية
ولدت أمينة داود المفتي في عمان عام 1939 لأسرة شركسية مسلمة، هاجرت إلى الأردن منذ سنوات طويلة، والدها تاجر مجوهرات ثري، وعمها لواء في البلاط الملكي، أما أمها فكانت سيدة
مثقفة تجيد لغات عدة، وذات علاقات قوية بسيدات المجتمع الراقي. كانت أمينة أصغر أخواتها، تميزت بذكاء غير عادي وطموحات كبيرة، وكانت على رغم تقاليد أسرتها المحافظة، تسخر من
تقاليد الشرق وقيوده وتحلم بالحب والانطلاق.
عام 1957، التحقت أمينة بجامعة فيينا وأقامت في المنزل رقم 56 شارع يوهان شتراوس أسابيع عدة، قبلما يفتح القسم الداخلي أبوابه لإقامة الطالبات المغتربات.
جمعتها الحجرة بطالبة في نهائي الطب تدعى جولي باتريك من جوهانسبرغ، ذات خبرة كبيرة بالحياة الأوروبية. علّمتها جولي التدخين وحذرتها من العلاقات مع الشباب حيث الحمل والإجهاض،
وحببتها بالفتيات لتكون في مأمن، فشذّت أمينة، وتدريجياً أدمنت الفعل الخبيث حتى الثمالة، فقد رأت فيه انطلاقتها وتحررها من قيود الشرق.
مرت سنوات الدراسة في جامعة فيينا، وحصلت أمينة على بكالوريوس علم النفس الطبي وعادت في أغسطس (آب) 1961 إلى عمان مكرهة، تضج بالمعاندة والنفور، وتحمل في داخلها طبائع
أخرى وأحاسيس مختلفة وآلام الهجرة الى القيود والرقابة.
في غمرة معاناتها وكآبتها، تذكرت حبيبها الأول، الشاب الفلسطيني «بسام»، فجابت عمان طولاً وعرضاً بحثاً عنه، وهزتها الحقيقة المرة عندما علمت بزواجه، حاصرتها الهموم، ولم تجد حلاً
لأزمتها إلا السفر ثانية إلى النمسا، بدعوى استكمال دراستها العليا لنيل الدكتوره، عازمة على ألا تعود إلى الشرق أبداً.
اعتناق اليهوديّة
كان عمرها حينما عادت مرة أخرى إلى النمسا تجاوز الثالثة والعشرين، جذبتها حياة الحرية والإنطلاق في أوروبا، وسلكت مسلك فتياتها في العمل والاعتماد على النفس، غير عابئة بما كان
يرسله لها والدها من مصروف شهري، فعملت بورشة صغيرة للعب الأطفال، وساقت اليها الصدفة فتاة يهودية تدعى سارة بيراد، شاركتها العمل والسكن والشذوذ، فالتصقت بها أمينة، وسرعان
ما انخرطت معها في تيار الهيبيز، الذي انتشرت جماعاته في أوروبا في تلك الحقبة، وعرف في الشرق باسم «الخنافس»، وذات مرة قامت بزيارة لمنزل أسرة صديقتها اليهودية سارة، دق قلبها
فجأة بقوة لم تستطع دفعها، فقد كان موشيه – شقيق سارة الأكبر – شاباً لا يقاوم، ساحر النظرات والكلام، حيوي الشباب، ذا طلعة جذابة.
عرفت أمينة أنه طيار عسكري برتبة نقيب، ويكبرها بنحو سبع سنوات تقريباً، شاعري، مهووس بموتسارت وبيزيه، ولوع بالشعر الأسود ونجلاوات الشرق.
في نزهة معه، عرفت بين أحضانه معنى المتعة الحقيقية، لقد كانت غبية حينما جرت وراء المتعة مع مثيلاتها، فغرقت معه في الحب، على رغم أنها مسلمة وهو يهودي، وتعددت لقاءاتهما
المحرمة وتحولت أمينة بين يديه إلى امرأة لا تدخر وسعاً في إسعاده، وتغلبت على ضميرها قدر استطاعتها وهي تدعي لنفسها الحق في أن تعيش، تحيا، تجرب، وتمارس الحب بلا ندم في بلاد لا
تعترف بالعذرية والعفاف.
مرت خمس سنوات في انحلال وتردٍّ، متناسية سبب مغادرتها وطنها إلى فيينا، وبعد جهد ساعدها موشيه في الحصول على شهادة دكتوراه مزورة في علم النفس المرضي، وهو فرع من علم
النفس الطبي، وعادت أدراجها إلى الأردن في سبتمبر (أيلول) 1966 ليستقبلها الأهل في حفاوة وفخر، ويطالبونها بإعلان موافقتها على الزواج من ابن عمها، لكنها تطلب منهم إمهالها حتى
تفتتح مستشفاها الخاص في عمان.
وبينما تسير إجراءات الترخيص للمستشفى بشكلها العادي، وقع خلاف بينها وبين وكيل الوزارة المختص، فتشكوه إلى وزير الصحة الذي أبدى اهتماماً بشكواها وأمر بالتحقيق فيها على وجه
السرعة، فتتشكك اللجنة القانونية في تصديقات الشهادة العلمية، وتطلب منها تصديقات جديدة من فيينا، وخوفاً من انكشاف التزوير وما يصاحب ذلك من فضيحة لها ولأسرتها، سافرت أمينة إلى
النمسا ناقمة على كل شيء في بلدها، وأسرعت إلى موشيه يعاودها الحنين، غير عابئة بانكسار وطنها العربي بنكسة 1967، فكانت تعلن شماتتها بلا حرج أو خجل، إذ طفحت منها الكراهية لكل
ما هو عربي، وما يمت للعرب بصلة.
في جلسة خلوية تفيض بالمشاعر، فاجأها موشيه بطلب زواجه منها، فلم تتردد، لكنه أكد لها أنه يريده زواجًا رسميًا يتم في المعبد اليهودي، فلم ترفض.
في معبد شيمودت، اعتنقت أمينة اليهودية، وتزوجت من موشيه زواجاً محرماً شرعاً، واستبدلت اسمها بالاسم اليهودي الجديد «آني موشيه بيراد».
في إسرائيل
في صيف 1972، قرأت أمينة إعلاناً غريباً في إحدى الصحف، تطلب فيه إسرائيل متطوعين من يهود أوروبا للالتحاق بجيش الدفاع، مقابل مرتبات ومزايا عدة مغرية، تصورت أمينة أنها عثرت
على الحل المثالي لمعاناتها، وأخذت تعد العدة لموشيه لإقناعه بالفكرة، خصوصا أنه سيحصل على جواز سفر إسرائيلي، ومسكن في إسرائيل، وأنها بمرافقته إلى هناك ستودّع الخوف إلى الأبد.
لكن موشيه الذي كان يسعى للعمل في إحدى شركات الطيران المدنية عارض الفكرة ورفضها، بدعوة أن إسرائيل والعرب في حالة حرب لن تهدأ حتى تشتعل، طالما أن هناك أرضاً محتلة وشعوباً
عربية ثائرة، لكن مع إلحاحها المتواصل ليل نهار، تقدم موشيه بأوراق إلى السفارة الإسرائيلية، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1972 كانا يطيران بطائرة العال إلى إسرائيل.
حظيت أمينة، التي أصبح اسمها آني موشيه، باستقبال رائع في مطار اللد الإسرائيلي، استقبال تحير له موشيه كثيراً وظن لأول وهلة أن زوجته إما أن تكون شخصية مرموقة ومعروفة في عمان،
أو أنها ممثلة إسرائيلية شهيرة.
بعد أيام قليلة، استُدعيت أمينة إلى إحدى الجهات الأمنية، حيث سئلت مئات الأسئلة عن نشأتها في الأردن، عائلتها، وظائف أقاربها ومعارفها، كيفية تعارفها وموشيه وزواجهما، فأجابت في سرد
طويل. سئلت أيضاً عما تمثله إسرائيل بوجدانها، وعن مشاعرها تجاه الأردن والفلسطينيين، فأقرت بأنها تكره منظمة التحرير وكل المنظمات الفلسطينية، وأن الملك حسين أخطأ كثيراً عندما لم
يقتلهم جميعاً في الأردن، فهم يكرهون – على حد تعبيرها - الأقلية الشركسية في الأردن، ضربوا بيوتها وأتلفوا ممتلكاتها، ظناً منهم أن عمها – اللواء بالبلاط الملكي – كان وراء مذابح سبتمبر
(أيلول) 1971، وأحد مرتكبيها.
يتبع