تقرير أمريكي يدعو الى بقاء قوات الأحتلال مدة اطول وعدم الأنسحاب المبكر .. ويتوقع الحرب الأهلية في العراق رغم الهدوء الظاهري
18/08/2009
الجيران ـ واشنطن ـ ألمح تقرير اميركي الى ضرورة بقاء قوات الأحتلال الاميركية المقاتلة في العراق الى مواعيد غير محددة، لتكون بمثابة العنصر القوي لإيقاف أية حرب اهلية محتملة كالتي بانت بوادرها في العامين 2006 و2007، وذلك بالاعتماد على تاريخ الحروب الاهلية في العالم.
ونقلت ( المدى ) عن كاتبة اميركية في مقال لها بصحيفة لوس انجلس تايمز أن دراسات عن الحروب الأهلية في بلدان عدة تكشف عن ضرورة وجود القوات الاميركية في العراق كأمر حاسم لسلام حقيقي ودائم، وأن من الضروري تشكيل ثلاث سلطات في العراق مع بقاء طويل الأمد للقوات الاميركية في البلاد. وقالت باربارا والتر، وهي أستاذة علم السياسة في جامعة سان دييغو، في مقالها الذي وضعته تحت عنوان «من المبكر مغادرة العراق»: إن في بحر العامين ونصف المقبلين «من المقرر أن تسحب الولايات المتحدة قواتها بنحو كامل من العراق وأن الأمريكيين في غالبيتهم فرحون بإفراط بهذا الأمر».
وأوضحت الكاتبة أسباب ذلك الفرح المفرط بالقول: إن الحرب في العراق كانت «أطول وأكثر تكلفة مما كان يتوقع أي أحد وأن مواصلتها يبدو أمرا غير ضروري في أعقاب نجاح الزخم ظاهريا. ورأت الكاتبة أيضا أن الانسحاب الأمريكي «يعني إزالة جيش احتلال كبير ومعه فرصة حكم العراقيين لأنفسهم»، واستطردت «إذا سار التحول بسلاسة فسيفوز الجميع».
وفي الظاهر، كما قالت الكاتبة، يبدو أن «التفاؤل مسوغا فالحرب الأهلية العراقية التي بلغت ذروتها في العام 2006 يبدو أنها انتهت تقريبا»، مبينة أن تأثير تنظيم القاعدة في البلد «غدا هامشيا وأن عراق اليوم مختلف بنحو ملحوظ عما كان عليه قبل ثلاث سنوات إلا أن تحت الظاهر قصة مختلفة». ومضى التقرير بالقول ان «على مدى 15 عاما الماضية جمع باحثون بيانات وحللوها بشأن 125 حربا أهلية أو نحو ذلك حدثت في بلدان من العالم منذ العام 1940»، موضحة أن الباحثين «خلصوا إلى نتيجتين من تلك البينات هما ان المشهد العراقي أكثر تشاؤما بكثير مما يأمله صناع السياسة في الولايات المتحدة أو في العراق».
والنتيجة الثانية، كما يقول التقرير، هي «ما يدعوه الأكاديميان بول كولير ونيكولاس سامبانس بشَرَك الصراع إذ أن بلدا مرّ بحرب أهلية واحدة من المرجح أن يمر بثانية وثالثة»، وتابع «ويعود جزء من ذلك إلى أن العنف يميل إلى مفاقمة المشكلات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية التي تسببت في اندلاع الحرب في المقام الأول، لكن ذلك أيضا بسبب أن الحرب الأولى كثيرا ما تنتهي بعدم وجود منتصر واضح وليس هناك تسوية سلام قابلة للتنفيذ، وما أن يرتاح المحاربون ويعيدوا تجهيز أنفسهم ما يلبثوا ان يحاولون استعادة الوضع السابق لأن البواعث القوية موجودة».
وهذا الحال، كما تقول الكاتبة «شهدته انغولا خلال أعوام الثمانينيات والتسعينيات عندما جرت محاولات اتفاق سلام كثيرة لكنها لم تنفذ أبدا كما كانت الحالة نفسها مؤخرا في السودان وكولومبيا وسري لانكا إذ عاد المحاربون إلى الحرب حتى بعد حقب سلام طويلة إلى حد ما».
أما النتيجة الثانية بحسب الكاتبة باربارا والتر فهي تلك التي تدعوها بـ»مأزق الاتفاق، فالمحاربون الذين ينهون حربهم الأهلية باتفاق تسويةـ مثل اتفاق تقاسم السلطة في العراق ـ يعودون دوما تقريبا إلى الحرب، ما لم يوجد في الساحة طرف ثالث يساعدهم في تعزيز شروط الاتفاق». وتستطرد: «ذلك أن الاتفاقيات تترك المحاربين بخاصة المحاربين الضعفاء عرضة للاستغلال حالما ينزعون أسلحتهم ويسرحون ويتهيأون للسلام». وذكرت: أنه في ظل غياب طرف ثالث ملزم فإن «الجانب الأضعف في أفضل وضع كي يحاول القتال من أجل أن يسيطر سيطرة تامة على الوضع الراهن بدلا عن القبول باتفاق قد يتركه منفتحا على التعرض لاساءة المعاملة في المستقبل». وتزيد: أن العراق اليوم «واجه هاتين المشكلتين» إذ ليس هناك «مجموعة كانت قادرة على الفوز بنصر عسكري حاسم على الرغم من أن العنف انخفض منذ العام 2006».
وفي نفس السياق حددت دراسة صادرة عن مؤسسة «راند كوربوريشن» الاميركية للدراسات والابحاث الاستراتيجية الصيغة الافضل للانسحاب الأمريكي من العراق في سياق مضمون الاتفاق الامني المعقود بين البلدين العام الماضي.
واعتبرت الدراسة التي اعدها طاقم متخصص من الخبراء بطلب من الكونغرس الشرط الاساسي لأي ديناميكية للانسحاب في «وجود ما يكفي من القوات الاميركية لضمان اجراء الانتخابات العامة المقررة في يناير من العام المقبل في ظروف امنية واجتماعية وسياسية طبيعية ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة».
ووضعت الدراسة ثلاثة سيناريوهات للانسحاب يقضي الاول بانسحاب كل القوات الاميركية بحلول مايو العام 2010، وابقاء قوة تعدادها 44 الف جندي تقوم بعضها بتدريب القوات الامنية والعسكرية العراقية، فيما الاخرى تقدم المساعدة والدعم اللوجستي والعسكري للقوات العراقية تنسحب هي ايضا في كانون الاول العام 2011 بما يتناسب مع الاتفاق الامني. وتحذر الدراسة من وجود ثلاثة مخاطر جدية في مثل هذا السيناريو هي: تهديد سلامة الطاقم العسكري والامني والمدني الأمريكي المتبقي، والانهاء السريع لقدرة الوحدات الاميركية على تدريب نظيرتها العراقية، وتقليص قدرة القوات المتبقية على مواجهة احداث غير محسوبة ومتوقعة.
ويغطي السيناريو الثاني خطة اوباما الخاصة بسحب كل القوات المقاتلة بحاول آب العام 2010، وسحب 12000 قبل كانون الاول العام الحالي واستمرار وجود القوات المتبقية حتى الانتخابات النيابية العام 2010 على ان تنسحب كافة القوات المقاتلة بين شهري شباط وآب العام المقبل، تاركة وراءها نحو 50 الف جندي من مدربين ووحدات دعم مقاتلة يعاد تشكيلها في وحدات «استشارة ومساعدة» تنسحب بدورها بحلول المدة المتفق عليها اواخر العام 2011.
وينص السيناريو الثالث على انسحاب بطيء خلال العام 2010 وبقاء حوالي 39 الف جندي حتى اواخر اذار العام 2011 ينسحبون خلال 9 اشهر من ذلك التاريخ. ونبهت الدراسة الى ثلاثة مخاطر رئيسة تهدد امن العراق واستقلاله خلال الانسحاب الأمريكي وبعده هي: المتشددون الذين يرفضون العملية السياسية ويستخدمون العنف لنشر الفوضى، والجماعات المذهبية والعرقية الكبرى التي تشارك حاليا في العملية السياسية واستعدادها لاستخدام القوة للحصول على المزيد من السلطة السياسية والتحكم بالموارد، وقوى الامن المسيسة التي تقوم بانقلاب او يتم استخدامها لسحق وتصفية الخصوم السياسيين.