[size=16pt]بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
عندما تفتقد الخيل ويغيب الخيَّال لافائدة من السروج! يا رموز الانتخابات
شبكة البصرة
د. عمر الكبيسي
الذين يتهافتون اليوم خلف العملية السياسية والانتخابات القادمة حتى أولئك الذين نفترض أنهم سيد خلوها باجتهاد تفعيلها لتصويبها وإصلاحها لعل في اجتهادهم هذا فائدة تنقذ البلاد والعباد مما جنته هذه العملية السياسية الخرقاء طيلة السنوات الست المنصرمة وتقلص إضرارها ؛يبدو أنهم واهمون من خلال ما يطلقونه من تصريحات أوما يخططوا له من تحالفات وائتلافات لخوض الانتخابات القادمة.
كيف سيتحقق الإصلاح والتصويب بأدوات جربت وتالفات فشلت بان بوضوح خراب ماسعت اليه من فساد وشخوص ثبت عليهم ما اقترفوه من جرائم.
الكتل التي نسمع عن تشكيلها والقيادات التي ترعرت في ظل ضروف الفساد والعذاب الذي واجهه العراقيون لم تستفد من خلال طروحاتها للانتخابات القادمة من دروس الفشل هذه لذلك نراها تلعب بالاذهان والاحاسيس بكيفية رجوعها للساحة كهدف رئيسي والاحتفاظ بمقاعدها باي وسيلة دون الالتزام بثوابت حددتها التجربة الفاشلة وخطوط حمراء قاتلة افرزتها المرحلة السابقة والتي لايشرف أي عضو برلماني او مسؤول حكومي او حزب وتكتل سياسي المشاركة فيها.
في ظل دولة حسبت انها الافسد في العالم وحكومة عدت الافشل في الكون وقضاء عد الاكثر اعداما للبشر دون ان يعرف العالم هوية المعدومين وجريمة المحكومين وفي دولة يحكم فيها على شعبها بالتهجير وعلى نخبها بالتهميش ؛تجف انهارها وتملح مياهها وتتلوث تربتها ويموت اهلها وتنهب اموالها ويعترف رئيس وزرائها بفشل وزراءه وعدم كفائتهم ويقاتل من اجل بقائهم وعدم محاسبتهم في ظل هكذا عملية سياسية لا يمكن ان يلقى اللوم فيها على وزير واحد او مسؤول او عصبة من مسؤولين ؛هذا الناتج من الخراب والفساد مسؤول عنه نظام كامل وحلقات متسلسلة من الخلفيات السياسة التي انتجت هذه السلطة؛ترى كم وزرائها ونوابها وكتلها سينسحب من المشاركة في الانتخابات القادمة اما قناعة بما كسب او خجلا مما احتسب او هربا مما نهب او خوفا مما ارتكب!أنا لم اسمع ولم اقرأ أن واحداً منهم ظهر نادما او قانعا او تائباً متنزهاً.
اين الضوابط التي ستمنع هكذا شلة من المفسدين عن العودة والتربع ثانية على كراسيٍّها ؛هل سمع العراقيون والناخبون واحدا من قادتنا وساستنا الجدد اعتذارا عن خطأ ارتكبه او اعترافا بفشل مشروع تبناه.
الكل يتكلم عن فشل المصالحة الوطنية ونتائج المحاصصة وتسلط الطائفية وفشل الاجندات السياسية الدينية وسوء كتابة الدستور ومثالب الفدرالية والفساد الاداري والمالي الذي يعم مؤسسات الدولة ؛ولكن اين النضوج السياسي الذي يشير لهذا السياسي بالفشل ولذلك الحزب بالفساد ويحمله مسؤولية مايحدث؟ لعلمي ان جميع الاحزاب والكتل التي خاضت الانتخابات السابقة ستشارك في الانتخابات القادمة باصرار واسهام اكبر بحكم ما حصلت عليه من مشاركتها السياسية السابقة من امكانيات مادية واعلامية.
الجديد المثبِّط في طبيعة الانتخابات القادمة كما هو واضح لكل من له دراية في التحليل السياسي يمكن ايجازه بعناوين ثلاثة:
1. ظهور تكتيكات سياسية للتوافق والائتلاف تتشبث بمسميات زائفه كالوطنية واللبرالية والمستقلة بهدف التخلص من العناوين التي لم تحمل قدسية دينية او طائفية بعد ان ارتكبت باسمها افضع الكوارث والماسي بحق الامة ؛اما الشخوص المنزلقة في حضيض الطائفية والمحاصصة والتقسيم فلم ينلها تهميش بالترشيح او تنازل عن القيادات.الاحزاب والتكتلات الطائفية التي تفتت وتشرذمت بسبب خلافاتها الحزبية الداخلية في الصراع على القيادة والسلطة وليس بسبب تخليها عن افكارها وثوابتها الطائفية والعرقية ولدت احزابا اخرى وقيادات جديدة بمسميات وبرامج منمقه ومزوقه لتجد لها قبولا اكبر او محاصصة اوسع وكأن الشعب سيخدع بان الصغير ليس طائفي وان الجعفري يحمل مشكاة النجاة او ان الصدريين نسخوا الماضي الدامي خلف ظهورهم او ان الحزب الاسلامي هو الحل وان الصحوات صحوا وشيوخ العشائر قناديل مضيئه.قوائم المستقلين ودعاة الاستقلالية كثروا ليشملوا طشَّار من لا يجد له موقع جديدا في ظل المكونات التي ترشحوا من خلالها سابقا؛وهكذا اصبح شعار الاستقلالية شرف يلحقه المرشحون بانفسهم يزكيهم من سلبيات عناوينهم السابقة في زمن لم يعد للاستقلالية موقف حاسم بين اغلبية عرقية وطائفية متناحرة.حزب الدعوة اصبح احزابا متعددة والحزب الاسلامي ولَّد تكتلات والاتحاد الوطني الكردي انقسم الى واجهات والتوافق اضحى تفرقا والعراقية تنازعتها صراعات واتجاهات مع اننا لم نسمع عن تبريرات فكرية او مستجدات تنظيرية او دوافع وطنية خلفية لمثل هذه التشظيات داخل الكتل والاحزاب اللهَّم الا بسبب النوازع الشخصية والصراع على القيادات والمناصب.
2. غياب المشاركات الجديدة ذات الطابع الاصلاحي واستمرار قوى المناهضة والمقاومة للاحتلال بالتصدي لمقاطعة الانتخابات في ظل من ينفّذها وطبيعة من سيتحكم بنتائجها وعواقبها ؛ في حين تتخذ القوى المشاركة الجديدة غطاء العشائرية والقبلية ومجالس الاسناد والصحوات كعناوين وغطاء للمشاركة فيها مع انها لاتعكس واقعيا اضافة او مشاركة جديدة لقطاع شعبي جديد عازف عن المشاركة فيها سابقا.
3. ترافق هذه الجولة من الانتخابات بظاهرة تفَّسر بوضوح تفاهة الثوابت التي سطرتها الكتل والاحزاب المشاركة بها الا وهي عدم وضوح الموقف من شخصية دولة المالكي رئيس السلطة التي ستشرف على الانتخابات وهو من اشد المتمسكين بالمحافظة على منصبه فيها كما يخطط بالمكشوف لخوضها.
ومع ان جميع القوى والاحزاب تلقي باللوم والخطيئة عليه بسبب اداء حكومته وفشلها ودفاعه المستميت عن لصوصها ومفسديها وتتكلم عن نزعته التسلطية والدكتاتورية خلال فترة حكمه وعدم مصداقية ادعاءاته سواء بالموقف من قوات الاحتلال الامريكي او من قضية النفوذ الايراني وتسلطه او من فكر حزبه الدعوي والمرجعي الطائفي وظلامية موقفه من المليشيات المسلحة التي تعبث بامن البلاد او حتى من مصادقية موقفه من الصحوات واخيرا عدم منطقية اتهاماته لسوريا في قضية التفجيرات الاخيرة ؛بالرغم من كل ذلك تتشبث معظم الكتل والاحزاب بامكانية التآلف معه فيما يتشبث هو الاخر بامكانية التآلف مع كل هذه الكتل والتآلفات اذا ضمنت له منصب رئيس الحكومة المزعومة! أليس في هذا المشهد الذي تجري فيه الانتخابات القادمة اثبات ودليل في عدم مصداقية الجميع ببرامجهم المطروحة والتي يدعَّون من خلالها نبذا للفساد والطائفية وتحقيق الامن والامان والوحدة في العراق المنكوب بفعلهم وارتمائهم في اجندات اجنبية يريد كل واحد منهم ان يثبت اكثر من الاخر ولاءه وتمسكه بالاحتلال ومخططاته؟. لماذا كل هذه الابواب المفتوحة والمشرعة للإتلاف مع دولة المالكي من جميع الكتل والاحزاب وهو الذي نسمع عن فساد سياساته وحكومته عبر وسائل الاعلام ومجلس النواب من خلال الناطقين الاعلاميين لهذه الكتل والاحزاب ما يزكم الأنوف؟.ومن أجل من تتآلف هذه الاحزاب والقوى مع دولة المالكي وهو الذي عدَّ استلامه للسلطة خطاً احمر من قبل جميع اقطاب الائتلاف الذي رشحه للسلطة فيما مضى؟ ما الذي استجدَّ في سياسات المالكي كي تتشبث في الائتلاف معه كتل واحزاب ناصبته العداء وحسبته خصما عنيدا لها بالأمس القريب؟ أو ليس في تصريح د. أياد علاوي اكثر هذه الكتل تبجحاً باللبرالية وعدم الطائفية عندما يقول انه مستعدٌ للتآلف مع كتلة الإئتلاف اذا استبعدت المالكي منها؟ أليس الإئتلاف المعلن يانابغة السياسة تكوينا طائفيا بالشخوص والمكونات؟ ثمَّ كيف يأتلف د.محمود المشهداني المقال مع المالكي الدعوي المرجعي وهو الذي يفصح عن نفسه تكرارا ومرارا انه طلق السلفية ولم يعد من دعاة اقحام الدين بالسياسة بسبب فشل الاسلام السياسي في العراق؟ وكيف يفكر قادة الصحوات بالائتلاف مع المالكي وهم يتهمونه بعداء المالكي لها تكراراً؟.
ان عجائب وغرائب اجواء ما يجري في الساحة السياسية خلال موجة الانتخابات يتوافق مع موقف القوى المقاومة والمناهضة للإحتلال الواضح والصريح وتنبؤها الجازم ان انتخابات كهذه وائتلافات واحزاب وكتل وشخوص مشاركة فيها لم يعد يهمها الا المنصب والفوز بغنيمة اكبر لتحقيق نفوذ فاسد اوسع وان عزوفها عن المشاركة فيها محق ومصيب وثابت وطني من مستلزمات المقاومة والمناهضة ؛مهما بررَّ آخرون مشاركتهم فيها بمبررات واجتهادات لاتجد على واقع الحال ما يدعوا للقناعة فيها.
ان الطائفية والمحاصصة والتقسيم والدستور النافذ وفدرلته الغامضة والمحيقة والفساد وفقدان الأمن والأمان لا يمكن اصلاحها او تقليص مخاطرها من خلال شخوص سياسية وكتل واحزاب ائتلافية بانت نواياها وافصحت عن غاياتها من خلال هوياتها وخلفياتها وطبيعة ائتلافاتها.
كان لي بصيص من آمل أن تتمسك بعض الشخوص والكتل السياسية التي تدرك جيدا ان العملية السياسية القائمة الحالية عملية خرقاء ووخيمة من خلال تصريحاتهم المعلنة المسبقة ان تتمسك بمبرر المشاركة لبناء كتلة أصلاحية قوية متماسكة بثوابتها من خلال رفض الطائفية والتقسيم والدستور والاجتثاث وتؤسس لمواقف وطنية شجاعة ضمن هذه العملية البائسة لتقف دون الاسفاف بمصالح الامة او على الاقل لتنطق باسمها بثبات وعزيمة دون ان تضع لحجم هذه الكتلة اولويات واسبقيات على حساب ثوابتها؛لكنَّ بناء وانطلاقة هكذا كتلة أصلاحية في ظل مجريات الاحداث بات محدودا ان لم يكن معدما.
هذه قراءة مؤلمة ومتوقعة لكارثة الانتخابات المزعومة والمعروفة بالنتائج مقدماً بسبب التزوير والتضليل والتي تصرٌّ الولايات المتحدة على تبنيها عازفة عن كل نصح وتحذير في ظل ادامة مشروع غزو العراق الدامي وبناء العراق الديمقراطي الضعيف! والتي عوَّدتنا ان لاتمَّر هذه الانتخابات ولا تنتهي إلا بمزيد من دماء مسفوكه وصراعات عنف وارهاب مخطط لها؛ وقى الله منها العراقيين جميعا وجنبهم شرورها واغراضها (يا.ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم اعمالكم).
10 ايلول 2009 لندن
شبكة البصرة
السبت 22 رمضان 1430 / 12 أيلول 2009
[/size]