------------------------------------------------------------------------------
صناعة الانتخابات وديمقراطية البطانيات في العراق المحتل
هيفاء زنكنة - القدس العربي : : 2009-10-10 - 08:33:04
صناعة الانتخابات وديمقراطية البطانيات في العراق المحتل
هيفاء زنكنة- القدس العربي
10/10/2009
هناك تسويق منظم، لبضاعة الانتخابات المقبلة في اجهزة الاعلام العراقية. وتعتمد هذه الاجهزة في تسويقها على تضليل القارىء والمشاهد والمستمع باساليب متعددة لعل اهمها اعتمادها على انشغال المواطن العراقي بالزحف وراء الاساسيات اليومية ومحاولة المحافظة على حياته وحياة افراد عائلته، مما لايترك له مجالا للتفكير بما هو اكثر من ذلك.
ويساهم في ذلك استشراء الغيبيات ووعود المستفيدين من الأمية والجهل بعد التخلص من الاكاديميين والمعلمين والتعليم بكافة مراحله. وتعتمد بعض اجهزة الاعلام في تسويقها ايضا، على الاعلانات التلفزيونية والمقالات المدفوعة الاجر، ثمنا سخيا، لتقديم صورة كاذبة عن الحياة اليومية ومستقبل البلد. ويساهم في صناعة الصورة الزائفة، تحول بعض اجهزة الاعلام المعروفة بوطنيتها ومناهضتها للاحتلال من ايصال الصورة الواضحة عن دور الاحتلال والمتعاونين معه في تخريب البلد وتهجير الشعب وتحميلهم المسؤولية وتسمية الجرائم باسمائها الى اجهزة خدمات، في احسن الاحوال، مهمومة باستضافة المسؤولين الذين تعرف جيدا بانهم انما يستغلون برامجها كمنبر لاداء دور المسؤول الصادق النزيه الوطني الواقف ضد الفساد، وهو الدور الذي، بات المسؤولون في حكومات الاحتلال المتعاقبة يتقنونه الى اقصى درجة، بعد مضي ست سنوات على الاحتلال وحضور كل واحد منهم عشرات الورشات عن كيفية مخاطبة الشعب، كذبا ورياء، من خلال اجهزة الاعلام.
ويأتي التركيز على الانتخابات مبرمجا لكي يتم نسيان الاحتلال كما تحول الشجرة المنتصبة امام عيني المواطن دون رؤيته الغابة، حسب المثل الانكليزي. والحقيقة هي، ان الانتخابات المقبلة هي مرحلة اخرى من مراحل الاستعمار الجديد المشرعن وفق النموذج 'الديمقراطي' الوحيد المسموح ببنائه، في العراق، كما في العديد من دول العالم الخاضعة للنفوذ الامبريالي الامريكي، وهو نموذج ' ديمقراطية الانتخابات'. وهي ديمقراطية، تشبه الاطعمة المعلبة، صالحة للاستعمال في فترة زمنية محددة، تسبق الانتخابات ببضعة شهور، وتتميز بحملة تفيد ذات المسؤولين المهيمنين على السلطة والمال، فتصرف اموال الشعب الذي يكاد لا يجد لقمة العيش على الاعلانات والحملات الانتخابية الاستهلاكية من طبع للبرامج الصقيلة وصور المرشحين (كما هي صور رجل القانون والرجل القوي)، وتوزيع الرشاوى والمغريات واقامة الحفلات والاحتفالات والقاء الخطب المعسولة والتهديد بالعقاب الالهي، احيانا، لتنتهي بفوز من هو مفترض فوزه او الغاء الانتخابات اذا لم يفز. هذه 'الديمقراطية الانتخابية'، هي الحل الامثل للعراق وبلدان العالم الثالث، حسب المنظور الاستعماري الامريكي، لانها تمنح الاحساس العام الزائف بحرية اختيار الشعب لممثليه في ظل نظام ديمقراطي فتخدره، وتمنع، في الوقت نفسه، قيام نظام ديمقراطي حقيقي نابع من حاجة الشعب العضوية، خاصة وان المستعمر يعرف جيدا بانه هو اول الخاسرين في ظل بناء، الديمقراطية الحقيقية.، الأصلح، اذن، هو الترويج لديمقراطية الانتخابات او البطانيات، كما يجب تسميتها، حسب تجربة الانتخابات السابقة في العراق عندما صار صوت الناخب ببطانية، وكذلك انتخابات مجالس المحافظات التي لم يتم العمل الا ببعض نتائجها، وسرعان ما عادت المحافظات واداراتها الى سابق عهدها حال انتهاء صلاحية ' الديمقراطية' للاستعمال.
هذا المفهوم المبتسر للديمقراطية وتطبيقاتها قد يجعل مقولة كارل ماركس ' الدين هو العقار المسكن للناس'، على اقتباسها المبتسر ايضا، صالحة للتغيير الى 'الديمقراطية الانتخابية هي افيون الشعوب'. فالانتخابات المتحكم بها مسبقا والخاضعة للتسيير حسب مفهوم السوق في البيع والشراء والترويع والابتزاز هي الشجرة التي لن تؤكل ثمارها مهما بدت مثقلة بالثمار.
وفي حال العراق المحتل تبقى المشكلة الاولى هي مشكلة الاحتلال وليس عجز الشعب عن فهم الديمقراطية او عدم قدرته على استيعابها او كونه شعبا يتسم بالعنف، كما يروج الامبرياليون ومن يطلقون على انفسهم اسم الشيوعية او الديمقراطية او اليسارية، بينما هم في الواقع، الليبراليون الجدد خدم الإستعمار. ومشكلة الاحتلال لن تحل بالانتخابات في ظله. فمن سيرشح للانتخابات مدعوم اساسا من قبل الاحتلال وهو ذات الشخص او الحزب الذي ركب قطار الاحتلال منذ المحطة الاولى ( مثل حزب الدعوة والمجلس الاسلامي والحزب الشيوعي والاسلامي والوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، ناهيك عن الحزب المستقل لصاحبه الباججي والقائمة العراقية لاياد علاوي) او، بعد بضع محطات (كما في الحوار لصاحبه المطلك).
واذا ما حدث وظهرت اشكال جديدة في ساحة 'الديمقراطية' فهي لاقرباء وانسباء الأولين وابناء عشيرتهم او عرقهم ممن وصل اليهم نسغ المال المستباح، أما ابناء الشعب فقد تم تهجير الملايين منهم او حوالي 17 بالمئة منهم خلال فترة زمنية قياسية، بحيث نجح المستعمر ومستخدموه في تغيير ديموغرافية البلاد، وتم حصر بقية ابناء الشعب في محافظات مغلقة عرقيا وطائفيا، وتم عزل مناطق بغداد الغنية بتنوعها وتعددها الديني والعرقي ضمن جدران المحاصصة الكونكريتية.
ويأتي رد باراك اوباما على سؤال عن الديمقراطية والانتخابات، في لقاء مع صحافيي الواشنطن بوست، في 19 كانون الثاني/يناير من العام الحالي، أثر نجاحه في انتخابات الرئاسة، موضحا لفكرة اولوية الانتخابات وعلاقتها بالديمقراطية بشكل عام.
يقول اوباما: ' ان الانتخابات ليست هي الديمقراطية، كما نفهمها... ان الهم الاول في الكثير من البلدان، كما تعلمون، اذا اردت الرجوع الى الحريات الاربع التي ذكرها روزفلت، ليس الديمقراطية، بل التحرر من العوز والتحرر من الخوف... ان الانتخابات قد لا تعالج التضور جوعا او الاحساس بعدم الامان. كما انها قد لا تعالج، قضايا الاعتقال التعسفي أو الفساد.. . ان علينا مراجعة سياستنا الخارجية وبرامج المساعدات وبرامج الديمقراطية وتوفير حياة أفضل للناس على الارض وان نكون اكثر انشغالا بالجوهر لا بالشكل'.
تمس كلمات اوباما هذه مفاهيم نبيلة وحقيقية لدى معظم الشعوب المتعبة من فرض شكل واحد من الحكم عليها حتى ولو كان هذا الشكل ذا مسمى جميل كالديمقراطية. ومن يقرأ تصريح اوباما بتمعن سيجد بان المشكلة الاساسية بين الولايات المتحدة الامريكية وشعوب الدول الاخرى التي يخاطبها اوباما 'بتفهم'، هي ذاتها، التي مارسها جورج بوش الصغير والكبير ومن سبقهما من الرؤساء الامريكيين.
المشكلة هي ان الرئيس اوباما، فيما يخص السياسة الخارجية، يفكر بعقلية الرجل الامبريالي الابيض على الرغم من بشرته السوداء، اذ يعتبر ان امريكا هي موطن الديمقراطية وان الديمقراطية الامريكية هي الاصلح للجميع واذا ماكان هناك خطأ ما قد ارتكبه بوش، فهو اولا قد ارتكب اخطاء تكتيكية ادت الى عدم الانتصار السريع في العراق وافغانستان، وثانيا ان ادارة الاحتلال لم تطبق برامج المساعدات و'الديمقراطية' بالشكل الصحيح الذي كان سيحقق نجاح الاحتلال الامريكي باقل الخسائر للقوات الغازية.
لذلك ستؤدي مراجعة ادارة اوباما لبرامج 'المساعدات' و'الديمقراطية' في العراق الى تدوير الاموال في حلقة تجميل الانتخابات وصياغتها بالتعاون مع اجهزة الاعلام العراقية والعربية، كما يلاحظ بوضوح في اعلانات قناة الشرقية والعراقية، والقنوات اللبنانية والخليجية، لتقديمها باعتبارها ملابس الامبراطور العاري.
ان الانتخابات المقبلة، كسابقاتها وكما ضجة كتابة الدستور والتصويت عليه واختيار رؤساء وزراء حكومات الاحتلال المتعاقبة، هي خطوة اخرى لتغيير الانظار عن كارثة الاحتلال وجرائمه واعفائه من المسؤولية. كما ان الاستمرار في ركوب قطار الاحتلال واضافته في كل كل محطة جريمة بشعة جديدة، هي مشاركة في الخراب الشامل الذي يمارس ضد العراق وشعبه.
' كاتبة من العراق
2م