[size=16pt]
ازمة المالكي مع سورية.. رد الجميل لها ام ثأر منها؟
هارون محمد
25/09/2009
ازمة المالكي مع سورية.. رد الجميل لها ام ثأر منها ؟
هارون محمد
25/09/2009
عندما يصعد نوري المالكي أزمته مع سورية ويقذفها بشتى الاتهامات التي لا تقوم على أدلة بينة واثباتات واضحة، وهي التي استقبلته وآوته وأطعمته وحمته على امتداد أكثر من عشرين سنة، فان ذلك يعني انه يريد تفجير العلاقة معها وهي علاقة أقل ما توصف بانها كانت حميمية وخاصة وايصالها الى طريق مسدود، ويعني ايضا انه يريد رد الجميل لها بطريقة تنافي القيم الاخلاقية قبل السياسية، وهي القيم التي لا تسمح للانسان الطبيعي ان يعض اليد التي انتشلته، وقدموا له التسهيلات السياسية والشخصية والعائلية والحياتية، او أنه يريد الثأر منها، لانها دولة ما تزال بعثية وتأوي البعثيين العراقيين المطلوبين والمطاردين الذين يتمنى ان يسلموا له ليعلقهم على المشانق في المنطقة الخضراء ببغداد.
ولسنا هنا في معرض الدفاع عن سورية التي لها ناسها وأجهزتها وأدواتها المسؤولة عن الدفاع عن سياساتها ومواقفها ورد التهم الباطلة الموجهة اليها، ولكن ما دام الامر يخص القضية العراقية التي تعنينا كقوى وطنية وقومية، فان المسؤولية بكل أشكالها وسياقاتها تفرض علينا ان نتصدى للاطراف الشعوبية والطائفية والانفصالية التي جاء بها جورج دبليو بوش وتابعه بول بريمر، ونصبا قادتها رؤساء ووزراء ومسؤولين، ومكنا سارقي البنوك واللصوص وقتلة الشعب العراقي ومخربي المنشآت العراقية وجلادي الجنود والضباط العراقيين الاسرى خلال سنوات الحرب الايرانية على العراق، ان يتسلموا أعلى المناصب والمواقع ويتحكموا بمفاصل السلطة والحكم ويهدروا المال العام وينهبوا الثروات والموارد، ويحولوا البلاد الى مزرعة يأكلون ثمارها ويخربون أرضها ويسجنون ويقتلون أبناءها ويطاردون أحرارها وأشرافها، والحريصين على وحدتها وسيادتها، ضمن مخطط بوشي صهيوني مشترك استهدف العراق كبلد عربي قوي، وشعب مبدع رصين، ودولة مقتدرة شادها أبناؤها البررة والنشامى لبنة لبنة بالدم والعرق والتضحيات على مدى ثمانية عقود كانت حافلة بالانجازات والتحولات والتنمية، في الوقت الذي كان الطائفيون والشعوبيون ونظراؤهم الانفصاليون والفيدراليون، يتآمرون على العراق ويتحينون الفرصة للاجهاز على تجربته الواعدة، وتقويض دولته الفتية، وتدمير مؤسساته الوطنية وفي مقدمها الجيش العراقي الباسل والبنى الصناعية والنفطية والاقتصادية والعسكرية. وواضح ان نوري المالكي وهو يقود الهجمة على سورية الان بعد ان قاد مثيلات لها على السعودية والاردن ومصر وقطر والامارات وليبيا في أوقات سابقة، يتوهم ان بمقدوره ان يناطح الكبار دون ان يدرك انه يلعب بالنار، لان الاجهزة السورية التي كان يرتبط بها حتى العام 2003 لو سربت عشر صفحات من ملفه الضخم المحفوظ لديها الى الصحافة ووسائل الاعلام، او كشفت عن الهويات والبطاقات التي منحتها له ومنها هوية عضوية في حزب البعث الذي يهاجمه اليوم ويصفه بالارهابي والتكفيري، وكان يستخدمها في سفراته الى لبنان عبر الطريق العسكري الخاص، لاحرقته وهي موثقة بالارقام والتواريخ والمناسبات والاحداث، لا يستطيع انكارها أو التبرؤ منها، اضافة الى ما يحتويه ملفه الاسود من تقارير ووشايات حتى على أطراف واحزاب كان يجتمع مع افرادها نهارا ويكتب عليهم ليلا، اما التراخيص والاجازات الرسمية المعطاة لمشاريعه التجارية.
وعندما يوعز نوري لسكرتيره الصحافي مجيد ياسين وهو شخص لا نريد الخوض في ماضيه القريب وتاريخه السابق ترفعا منا، بالهجوم الشخصي على الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد، دون ان يجرؤ هو ليتولى المهمة بنفسه، فهذا يعني ببساطة انه لا يمتلك الجرأة على المواجهة، ومرة أخرى يثبت انه ما زال أسير حزب ليست لديه رؤية سياسية تحدد مساراته، او فضاء سياسي يتحرك في أجوائه وفق خطوات مدروسة ومبرمجة، فحزب الدعوة الذي يرأسه المالكي منذ عامين بعد استبعاد ابراهيم الجعفري مسؤوله السابق، مجموعة وليس حزبا، ضمت منذ بدايات التأسيس نهاية الستينات من القرن الماضي تحت اسم الحزب (الفاطمي) نفرا من الغرباء عن العراق واغلبهم من الايرانيين بقيادة مهدي آصفي وكاظم حائري ومرتضى عسكري، لا يفهمون البيئة العراقية بما تحمله من أصالة حضارية وثقافة عربية متجذرة وتوجهات قومية عميقة، لذلك اشتغل هؤلاء على تثقيف أتباعهم وفق منهج شيعي طائفي منغلق معاد للقومية العربية التي اعتبروها مرادفة للشيوعية.
ومع افتضاح أخطاء وانحرافات خطاب حزب الدعوة وانكشاف أجندته الطائفية الضيقة، ظل المالكي متمسكا بها ويرفض دعوات صدرت من كوادر سابقة فيه امثال السيد ضياء الشكرجي بتحويل الحزب من شيعي طائفي الى وطني سياسي وحجته ان الشيعية أوسع من الوطنية، والطائفية أكبر من السياسية، لذلك لم يهضم الكثيرون ادعاءات المالكي وهو يحاول طرح نفسه كرجل دولة وملتزم بالقانون لا يفرق بين السنة والشيعة وقبل شهرين جادلت شخصيا أحد العاملين في مكتبه كما قدم نفسه عندما طلب مني تخفيف انتقاداتنا لمنهج وخطاب المالكي قائلا: ان المالكي عربي ووطني لذلك يتعرض الى حملة من جماعة عبد العزيز الحكيم وحزب مسعود بارزاني وعليكم انتم ايها القوميون مساندته، فرددت عليه، لم اسمع يوما ان المالكي قال انه عربي، وانتقادات عبد العزيز ومسعود له تدخل في اطار منافسات حزبية وتصفية حسابات سياسية ليس الا، ليخرج من حزب الدعوة أو يغير منهجه الطائفي ويعلن ذلك على الملأ ويعتذر عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها حزبه وعند ذلك يكون لكل حادث حديث.
واستنادا الى كل ذلك فان من الصعب على المالكي ان يتعاطى مع الاحداث السياسية سواء في العراق او المنطقة بسياقات سياسية لها استحقاقات يجب الخضوع لها، وانما يتصرف وفق ثقافته المحدودة كحزبي يلتزم بما يسمى العقيدة الشيعية التي تنظر الى الآخر كعدو يجب استئصاله، لذلك أصر المالكي عقب الاحتلال ان يكون ممثلا لحزب الدعوة في هيئة الاجتثاث التي شكلها بريمر وبدرجة مدير عام.
ان افتعال نوري معركة مع سورية وفي هذا الوقت بالذات ليس في صالحه بالتأكيد لاسباب كثيرة، منها ان سورية كانت الى أسابيع قليلة ماضية تعتقد ان التهدئة معه في هذه المرحلة ضرورية لاستقرار العراق، ومنحه فرصة لاثبات نواياه في موضوعة الاصلاح السياسي والمصالحة، وواضح ان هذا الموقف اتخذه السوريون بحسن نية كما يبدو، واستنادا الى اتصالاته الشخصية معهم، وهو موقف غير صحيح وأثبت انه خاطئ جملة وتفصيلا، فها هو قد كشرعن أنيابه ضد سورية بسرعة غير متوقعة وصعد معها بطريقة غير مسبوقة وبلا مبررات معقولة، وكأنه يريد من الدولة السورية ان تنفذ ما يريد، تسلم له محمد يونس الاحمد ورفيقه سطام فرحان، هكذا ببساطة دون أدلة ومستندات قانونية، عجزعن توفيرها كما طالبته دمشق بذلك عبر مراسلات رسمية، ظنا منه ان كل ما يقوله ويصرح به واجب التنفيذ بلا مناقشة، ونسي ان سورية دولة تحترم ذاتها وارادتها وخياراتها، ثم انه تناسى اقامته فيها عشرين سنة كان فيها مسؤولا عن الخط (الجهادي) في حزب الدعوة، وهي خط تولى ارسال المخربين الى العراق، ضبط معظمهم واعترفوا بدورهم ومن أرسلهم ومولهم، ولكن السلطات العراقية السابقة كانت تتصرف كدولة وليس كعصابة، لم تفاتح سورية على الاطلاق بشأن تسليم المالكي اعتقادا منها بانه قد يفسر بانه تدخل في الشؤون الداخلية السورية، وادراكا منها ان سورية لن تسلم المستجيرين بها واللائذين في حماها، وتصوروا كيف كان يفكر صدام حسين (الدكتاتوري) وكيف يتصرف الان نوري المالكي (الديمقراطي)!
المالكي يعيش حاليا تحت وطأة أزمات داخلية خانقة، أخفق في حلها وفشل في ايجاد معالجات ولو بسيطة لها، لانه ليس رجل دولة وغير قادر على التعامل مع القضايا السياسية
[/size]