بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
شتّان بين وَقفة القذَّافي في روما
وهَوَانُ المالكيّ في واشنطن
شبكة البصرة
د. عمر الكبيسي
لست من الذين يروجون للعقيد القذّافي ولست ممن يتفقون مع كل سياساته، لم التقيه، ولم يحدث لي أن زرت الجماهيرية الليبية يوماً، لكني هنا بصدد تسجيل واحد من مواقف الشموخ والعز التي تسجل للرئيس القذافي في زمن الهزائم العربية الذي يندر أن تتكرر فيه المواقف التي تحسب للرجال. فقد كسب القذافي قضية التعويضات الايطالية جراء الخسائر التي ألحقها الاحتلال الايطالي بالشعب الليبي لعقود من الزمن، وتمّ الاتفاق على أن تدفع إيطاليا ملايين عدة من الدولارات والتي لا تشكل شيئا بالنسبة لثروات ليبيا وأرصدتها، ولكن نجاح القذّافي في توظيف هذا الحدث باعتباره رمزا لتضحيات الشعب الليبي في مواجهة الاستعمار الايطالي ويستثمره ليقوم بأول زيارة للعاصمة الايطالية، إيذانا بتعزيز العلاقات الرسمية بين البلدين مقرونا بإصدار اعتذار رسمي من الحكومة عن ما اقترفته ايطاليا في ليبيا من جرائم وانتهاكات طيلة فترة الاحتلال، ولعلها من المواقف المجيدة والفريدة أن يفاجئ القذافي الأوساط السياسية ورئيس الحكومة برلسكوني والإعلام والرأي العام عند هبوطه في مطار روما مرتديا بدلة قتال تطرز صدره صورة المجاهد والمقاوم الليبي الشيخ عمر المختار رحمه الله الذي دوَّخ موسوليني وجيوشه المدججة، بصموده الرائع ومقاومته العنيدة بسلاحه البسيط، في الوقت الذي كان مشهد الحفيد المسنّ والوحيد للشهيد عمر المختار وهو على كرسي متنقل لكبره ومرضه مرافقا للقذافي، وينحني برلسكوني لتحيته والانحناء له شخصيا ومعه المستقبلين اعتذارا واحتراما لحفيد الشهيد المختار!. إنها والله وقفة شموخ وصمود وعز لم تعتد الأمة أن تتذوق طعمها أو تلمس فعلها في حاضرها السياسي منذ أيام عمورية ونداء واه معتصماه!.
هذا المشهد الشامخ والبطولي يتزامن معه مشهد آخر تناقلته وسائل الإعلام المرئية والقنوات الفضائية العربية والعالمية يتمثل بمواقف رئيس حكومة الاحتلال الرابعة في العراق دولة جواد المالكي في زيارته لواشنطن! والخنوع يلفه والسواد لباسه، مرتبك الخطى والخيبة مرسومة على وجهه وهو يحمل إكليل الزهور ويضعه على نصب (الجندي المجهول) في المقبرة الوطنية الأمريكية التي دفن فيها قتلى الغزو الأمريكي على العراق في ضاحية ارلنكتون قرب واشنطن مواسيا ومعتذرا لقتلهم ومشيدا ببطولتهم وشجاعتهم!!. فيا للعار، ولم يتوقف عند هذا الحد فحسب، بل راح يصرح معتذرا عن تصرف ضابط عراقي استجوب ضابطاً أمريكيا أمر بإطلاق النار على ثلاثة عراقيين أبرياء مستطرقين، وتم قتلهم من منطلق الاشتباه بكونهم إرهابيين! دون أن يثبت إنهم كانوا يحملون أي قطعة سلاح، ويتهم دولة المالكي هذا الضابط العراقي بـ(تجاوز صلاحياته!) فيا له من خنوع ونفاق وتبعية يا دولة الرئيس! بمقاييس الأمة التي تدعي الانتماء إليها، والدين الذي تتلبسه والفكر الدعوي للحزب الذي تقوده! أليس من سخريات القدر وازدواجية المعايير وتفاهة المواقف أن تخاطب الشعب حين وقعت اتفاقية الخداع والمكر وتصفها بأنها تشكل نهاية لما اقترفته القوات الأمريكية من قتل وجرائم وانتهاكات ودمار بحق العراقيين، ثم لا تتردد وتترحم على أرواح قتلى هذه القوات ممن تسببوا بقتل مليون عراقي أو يزيد، بل تهدد بإمكانية تمديد بقائها في العراق لفترة ما بعد نفاذ التوقيتات التي ادعيت أنها توقيتات نهائية لن يبقى بعدها جندي أمريكي واحد.
فعلام تشكرهم يا دولة الرئيس؟
ألم يقتلوا النساء والأطفال والرجال؟
ألم يغتصبوا النساء والرجال؟
أتشكرهم على فعلتهم الخسيسة بالطفلة الشهيدة عبير الجنابي؟
أم تشكرهم على إهاناتهم للعراقيين بمن فيهم أعضاء مجلس الحكم المنحل، وما فعلوه بعمار الحكيم ومحسن عبد الحميد؟؟
الم يخلِّفوا في بلادك مئات الآلاف من القتلى والمعوقين؟
ألم تقترف قواتهم وشركاتهم الأمنية أبشع الجرائم والمداهمات بحق شبابنا وعوائلنا ونسائنا وأطفالنا؟
هل كل الذين قتلوا وعذبوا وعوّقوا واغتصبوا وسلبوا وهجروا منذ اليوم الذي احتلت فيه هذه القوات العراق ولغاية الآن هم (إرهابيون) و(مجرمون) في عرفك يا دولة الرئيس لكي توجه الشكر والامتنان إلى من قتلهم وآذاهم وأغتصبهم؟ وتترحم على قتلى المعتدين الغزاة وتشيد بفعلتهم؟
أي ثمن عظيم هذا؟ هل من أجل البقاء في منصب لن يدوم طويلا؟ وأي إنكار واستهانة بفعل أمة أشاد بوقفتها ومقاومتها العدو قبل الصديق؟
وأنتم يا فضيلة آية الله السيد علي السيستاني، وأنت أيها المرشد الأعلى خامنئي، وأنت يا سيد المقاومة نصر الله.. ألا يشكل هذا الموقف من زعيم حزب الدعوة الإسلامية، اختراقا لمعاني المقاومة النبيلة، ونكرانا للجهاد المشروع لغزاة أرض الإسلام وهم في ديارهم قابعون؟
أليس في هذا يا عمائم المراجع وساسة الإسلام هدر لحقوق الأمة في المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وتنازل رسمي عن كل ما اقترفته قواته وشركاته وعملاؤه بحق الأمة من دمار وفساد وقتل ونهب؟
فبأي دين تحكمون؟
وبأي شرع تفتون؟
شتان شتان بين وقفة الشموخ والعز للعقيد القذافي في روما وبين خنوع وسقوط دولة المالكي في واشنطن.
هل لديكم شك يا شيوخ العراق وساسته الجدد أن المالكي هو أداة طيعة وخانعة لإرادة أمريكا ومشاريعها؟
وهل لديكم شك أيها العراقيون بعد كل هذا؛ إلى أين انتم ماضون في ظل هذه الأحزاب الطائفية والعرقية التي في غيِّها تخدعون؟.
في 26 تموز 2009.
شبكة البصرة
الاثنين 5 شعبان 1430 / 27 تموز 2009