[size=16pt]أوباما وفظائع أبو غريب : مزيد من عار الحنث بالوعود
صبحي حديدي - القدس العربي : : 2009-08-14 - 09:28:18
أوباما وفظائع أبو غريب: مزيد من عار الحنث بالوعود
صبحي حديدي
14/08/2009
قبل أيام صدر، بالإنكليزية، كتاب غاري وينكلر 'معذَّبة: لندي إنغلاند، أبو غريب، والصور الفوتوغرافية التي هزّت العالم'، والذي يروي سيرة المجنّدة الأمريكية بطلة الصورة الأشهر عن فظائع سجن أبو غريب العراقي، حيث تظهر وهي تجرّ سجيناً عراقياً عارياً، مقيّداً من عنقه بطوق جلدي. هي المعذَّبة، بفتح الذال، وليست المعذِّبة التي تعرّف العالم بأسره على سحنتها، وزملائها، حين افتُضحت جرائم الجيش الأمريكي في ذلك السجن، ربيع سنة 2004؛ ليس لأنها لم تمارس التعذيب في يقين وينكلر، بل لأنها كانت بمثابة كبش فداء لقاء تبرئة كبار مجرمي الحرب، في وزارة العدل والبنتاغون والبيت الأبيض ذاته.
وإذا صحّ أنها، وستة من زملائها فقط، دفعوا الثمن بالنيابة عن المذنبين الكبار، فإنّ ذلك الثمن لا يجعل منهم ضحايا تعذيب في كلّ حال، بل يبرهن على شيوع المهزلة في القضاء العسكري الأمريكي، بعد استفحال المأساة في التغطية الأخلاقية لأفعال الجيوش الأمريكية هنا وهناك في العالم. لقد حُكم على إنغلاند بثلاث سنوات سجن، قضت نصفها وأُعفيت من إكمال النصف الثاني؛ وتلك كانت حال شارلز غرينر (خمس سنوات)، إيفان فردريك (أربع سنوات)، جيريمي سيفيتس (سنة، مع الطرد من الجيش)، سابرينا هارمان (صاحبة الصورة الشهيرة بدورها، حيث تقف ضاحكة خلف هرم من الموقوفين العراقيين العراة: ستة أشهر)، جيفال دافيز (ستة أشهر)، وميغان أمبول (الطرد من الجيش).
وفي شهر أيار (مايو) سنة 2004، كانت مجلة 'نيويوركر' الأمريكية قد نشرت، على موقعها الإلكتروني ثمّ في الطبعة الورقية لاحقاً، تحقيقاً مذهلاً للصحافي الأمريكي الشهير سيمور هيرش برهن فيه أنّ انفضاح أخبار الهمجية الأمريكية في ذلك السجن (كما كانت قد ترددت قبل أيام، مدعمة ببعض الصور الأولى، في البرنامج الإخباري 60 Minutes، على قناة CBS) هي الفصل الأوّل من مجلّد خزي رهيب، أشدّ مقتاً وبشاعة وشناعة. وأمّا في ناظر العالم، المراقب لما فعلته وتفعله أمريكا في أفغانستان قبل العراق، فإنّ تلك الهمجية كانت تتجاوز السياسات الأمنية، لتضرب بجذورها عميقاً في باطن ثقافة العنف، ونزعة التفوّق، وتحقير الآخر، وامتهان النفس الإنسانية، وشهوة الإستعباد...
وبالطبع، كما في كلّ سياقات مماثلة، يقتضي الإنصاف التذكير بأنّ هيرش هو المحقق الصحافي صاحب الفضل في تسليط الأضواء على جرائم حرب أمريكية وحشية، مثل مذبحة 'ماي لي' التي ارتُكبت في فييتنام بأمر من الضابط الأمريكي وليام كالي (قرابة 347 قتيلاً من المدنيين الفييتناميين)؛ ونبش حقائق مجزرة الرميلة، التي ارتكبها الجنرال الأمريكي باري ماكيفري غرب البصرة في 2/3/1991 (الجنرال هذا أصدر الأمر الحرفي التالي: 'تدبّروا طريقة تمكنني من ذبح كلّ هؤلاء العراقيين الأوغاد'... المنهارين المهزومين المنسحبين المتراجعين على الأوتوستراد 8 غرب حقل الرميلة)؛ وتفاصيل 'مذكرات التعذيب' الإدارية التي كتبها أمثال جون يو، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا والمتعاقد مع وزارة العدل، وتضمنت تزويد الإدارة بالمسوّغات القانونية للإلتفاف على اتفاقية جنيف حول تحريم التعذيب.
تحقيق هيرش عن سجن أبو غريب أثبت أنّ الإدارة كانت تعرف، أو هكذا يقول المنطق البسيط، في ضوء التقرير الذي أعدّه العميد أنتونيو م. تاغوبا، وسلّمه إلى البنتاغون أواخر شباط (فبراير) ذلك العام، وانطوى على 53 صفحة حافلة بوقائع رهيبة حول إدارة السجون العراقية في ظلّ الإحتلال الأمريكي. وقال تاغوبا إنه في الفترة بين تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر)، سنة 2003، ارتكب الجيش الأمريكي أعمال تعذيب 'إجرامية، سادية، صاخبة، بذيئة، متلذّذة'، سرد التقرير بعضها، هكذا: صبّ السائل الفوسفوري أو الماء البارد على أجساد الموقوفين، الضرب باستخدام عصا المكنسة والكرسي، تهديد الموقوفين الذكور بالإغتصاب، السماح لأفراد الشرطة العسكرية أن يقطبوا جراح الموقوفين الذين يُصابون بجروح جرّاء التعذيب، اللواط بالموقوفين عن طريق استخدام المصابيح الكيماوية أو عصا المكنسة، واستخدام الكلاب العسكرية لإخافة الموقوفين وتهديدهم...
وأثناء صحوة ضمير، أو سعياً إلى تبييض الصفحة، كشف الرقيب فريدريك أنّ تقنيات التعذيب الأخرى كانت تتضمن إجبار الموقوفين الذكور على ارتداء ثياب داخلية نسائية. واللافت، هنا، أنّ الرجل حين استفسر عن هذه الممارسات، قيل له ببساطة: هكذا تريدنا المخابرات العسكرية أن نفعل! تفاصيل من هذا القبيل سردتها أيضاً العميد جانيس كاربينسكي، التي اقترن اسمها بهذه الممارسات لأنها كانت قائد فوج الشرطة العسكرية في العراق، والمسؤولة عن السجون الثلاثة التي ورثها الإحتلال الأمريكي من جلاّدي صدّام حسين. ففي مقابلة مع 'نيويورك تايمز'، قالت كاربينسكي إنّ عناصر المخابرات العسكرية وعناصر المخابرات المركزية هم الذين كانوا يتولون مسؤولية الخلية '1A'، وهي الوحدة الأمنية عالية السرّية التي تشرف على التحقيقات في سجن 'أبو غريب'، وأنّ هؤلاء تمنّوا عليها أن لا تتدخّل في شؤون تلك الخلية، بل أن تمتنع حتى عن دخول أيّ من الزنزانات التي تجري فيها التحقيقات!
79 [/size]